التطمينات الأمريكية الزائفة لشاه إيران

#التطمينات #الأمريكية #الزائفة لـــ #شاه #إيران
موسى العدوان
عندما ثارت الجماهير ضد #شاه #إيران عام 1979، أرسل كبير مستشاري الأمن القومي الأمريكي ” بريجنسكي ” رسالة لذلك الطاغية مفعمة بالمحبة : ” لا تقلق نحن معك ولن يستطيع أحد تحريكك من فوق كرسي الحكم. نحن نرتّب لكي يكون ابنك هو الحاكم القادم لإيران “.
إلاّ أن قلب #الطاغية ارتجف لأول مرة، واهتز كرسي الحكم من تحته، عندما شاهد #الجماهير في العاصمة #طهران وفي كل المحافظات الإيرانية، قد خرجت بمظاهرات صاخبة في وقت واحد، تنادي بأن لا أحد يحركها من الميادين الكبرى حتى يسقط الطاغية. كانت الهتافات الغاضبة تطالب بسقوط النظام وترفع شعارات : العيش . . الحرية . . والعدالة الاجتماعية.
في عام 1978 كان قد عين الشاه ” جامشيد أموزيجار ” ذو الأصول اليهودية ، والذي تخرج من جامعة ( كورنيل ) بنيويورك رئيسا للوزراء. ولكنه كان مبعوثا خفيا لتأجيج حالة الغضب ضد النظام، رغم أن تصرفاته الظاهرة، تبدو وكأنه يدافع عن سيده الشاه، ضد من سموهم القوى الظلامية.
كان أسوأ ما فعله أموزيجار ضد الثورة، هو قيامه بإصدار أوامر للشرطة باقتحام منزل الزعيم الديني ” آية الله شريعة مداري “، الذي يحظى بشعبية كبيرة ويُعتبر مرجعا دينيا للشيعة، في كل من إيران والعراق ولبنان والباكستان والهند،. الأمر الذي أثار شعور جزء كبير من الإيرانيين ودفعهم لمزيد من الغضب.
أقال الشاه أموزيجار في شهر أغسطس \ آب 1978، إلاّ أن هذه الإقالة لم تساعد على تهدئة الشارع ولا تهدئة الملالي الغاضبين. كما أن جهاز الأمن البهلوي ” السافاك ” الذي كان يثير الرعب في النفوس، ورضا بهلوي ابن الإمبراطورة فرح ديبا، التي كانت تريد توريثه الحكم، أوردت زوجها الشاه بأفعالها مورد التهلكة.
كان ذلك مدعاة لتفجر السخط العامّ، ولكن الشاه بدا غير مبال بالبركان، الذي كان ينشط ويقترب منه شيئا فشيئا، إذ كان مطمئنا لصديق طفولته ” الجنرال حسين فردوست ” الذي كان مديرا لجهاز المخابرات الإمبراطورية ” السافاما “، وكان قبلها وكيلا لجهاز الأمن الوطني الخطير ” السافاك “، وبوجوده كان لا يخشى الشاه على ملكه.
ولكن في عالم السياسة، لا ينبغي لحاكم أن يثق بصديق طفولته ثقة مطلقة، بل ينبغي أن يسير معه بعيون مفتوحة، فالقلب قلب، والنفس قلاّبة . . إلاّ أن الشاه لم يكن عارفا بعلوم النفس البشرية وخباياها، فظل على حالة ثقة كاملة في جهازي السافاك والسافاما، وكان هذا أكبر أخطائه جميعا.
ولا شك أن آلام الشاه كانت مضنية إلى حد كبير، فلم يكن ألم الجسد الذي استشْرت فيه آلام السرطان هي التي كانت تقض مضجعه وتُسهره الليالي، ولكن ألم الخيانة هو الذي يدوم ولا ينقطع، وتهون أمامه آلام الجسد. فآلام الجسد كانت تخدرها المسكنات، ولكن آلام النفس لا مسكن لها.
يقول الكاتب المصري أنيس منصور، أنه عندما ذهب لزيارة الشاه في مستشفى القوات المسلحة المصرية، وكان ذلك قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقضي نحبه بسويعات، همس الشاه بإذنه وأنفاسه لهثى من فرط المرض :
” قل للسادات ألاّ يثق بأمريكا أبدا، فحينما كان كارتر يرافق زوجتي في البيت الأبيض وكأنه صديق حميم، كان في ذات الوقت يخطط للتخلص مني “.
أمّا الكاتب المصري ثروت الخرباوي فيقول : ” حين لا تحسب حسابا لشعبك، فإنك مغادر بلا شك، لذلك أمريكا ومخابراتها لم يكن بإمكانها التخلص من الشاه، لو كان متحصنا بشعبه، ولو كان عادلا وشريفا. ولكن الحكام في معظم دولنا العربية، يتحصنون بقواتهم الأمنية وجيشهم، وفوق هذا وذاك . . أمهم أمريكا “.
وإذا تآمر على الحاكم جيشه وجهازه الأمني وتخلت عنه أمريكا، فإن الشعب الذي ضجّ منه، سيخلعه كما يخلع الرجل خاتمه من اصبعه. لذلك أخذ موقف الشاه بهلوي يزداد سوءا بعد سوء قبل عام من الثورة، حين سكت عن الفساد، وأصمّ أذنيه عن سماع أصوات شعبه، ثم عمد إلى تغيير بعض الوزراء من أصحاب الكفاءة والشعبية، بآخرين أقل كفاءة من المعارف والأصدقاء.
ويبدو أن الثورات مثل البركان، عندما تنطلق لا يستطيع أحد التحكم بفوهتها. فهل يأخذ الحكام العرب، عبرة من هذه التجربة المريرة ؟ أتمنى ذلك . . !
التاريخ : 23 \ 10 \ 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى