٢٥ يناير / د . خالد غرايبة

٢٥ يناير
اتذكر ذلك النهار جيدا واتذكر الاسبوع الذي قبله اكثر.
كان العالم في ذلك الاسبوع مشغولا بثورة البوعزيزي وبتلك المقولة الشهيرة لابن علي: ” الآن فهمتكم”. والتي رد عليها التوانسة في الشوارع والميادين عندما اسقطوه “الآن أفهمناك”.
لقد قرر المصريون افهام رئيسهم بعد ان فهم زميله في نادي الدكتاتورية بأسبوع. كانت تلك الايام اياما عظيمة، لا اعتقد ان انتصارا على اسرائيل يمحوها عن وجه الارض يعادل ذلك الانتصار الذي نجح من خلاله شباب مصر في خلع رئيس فاسد.

اعتقد أن تلك الاسابيع القليلة التي قامت فيها الثورة المصرية كانت الوحيدة التي تنفس فيها الشعب العربي انفاس الحرية. لقد تغيرت الدنيا واصبح فيها أمل وشعر الجميع بالغيرة من اؤلئك الفتيان الذين اصروا على “افهام” صاحبهم بطريق الثورة السلمية.

لقد سقط الدكتاتور وقرر على الملأ “تنحيه عن رئاسة الجمهورية وكلف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد” وقرر أخيرا وبعد اربعين عاما ان يستعين بالله واكتشف أن “الله الموفق والمستعان”.

الا أن الثوار المساكين لم يكونو يعلمون أن ذلك الدكتاتور العجوز لم يكن سوى واجهه لدوائر فاسدة (اسموها فيما بعد الدولة العميقة) هي التي كانت تحكم مصر كما هو الحال في معظم بلاد العرب.

مقالات ذات صلة

ولم يكن يعلم الثوار أن الدعم الدولي لثورتهم لم يكن سوى انتهازية دولية بالتخلي عن نظام بدا لهم أنه متهالك وغير قادر على الصمود في وجه ثورة شعبية.

ولم يكن يعلم الثوار أن النخب والاحزاب التي انضمت اليهم لم يكن هدفها سوى ركوب الموجة والحصول على مكاسب سياسية على ظهورهم. كل ذلك كان متوقعا فتلك طبيعة الثورات الشعبية.

لقد ثبت لهم بعد ذلك ان النظام لا زال يحكم وأن المسألة لا تعدو كونها مسرحية، ربما كانت تلك الدوائر الخفية والدول الكبرى وربما الشقيقة من ابطالها الرئيسيين، فقد قام ذلك النظام بعد الثورة بقليل باعادة انتاج نفسه ليتناسب مع الوضع الجديد وقام باخراج مجموعة من المسرحيات الهزلية ليثبت للجماهير انه انصاع لمطالبها ثم ليصل بالجماهير الى حالة الترحم على ايام الدكتاتور.

ربما كان سبب ذلك أن الثورة المصرية كانت ثورة شباب افتقدت الى حكمة النخب التي تمتلك الرؤى والفكر الاجتماعي والسياسي وتتمتع قبل كل شيء بالاخلاص لوطنها والقدرة على الحلول في مواقع المسؤولية واعادة تشكيل المجتمع والدولة للوصول الى اهداف الثورة التي لم تكن سوى شيء واحد هو العدالة.

لقد راهنت الانظمة العربية على فشل الثورات لانها عملت وبجد على مدى عقود على تخنيث النخب وافسادها وتجهيلها وتحجيمها وتحويلها الى ادوات لتبرير نظريتها الامنية في الحكم فكان من السهل على تلك الانظمة ان تعيد انتاج نفسها بعد الثورة وتعود الى الحكم ليس لشيء وانما لعدم وجود البديل وهذه هي اللعبة الكبرى التي مارستها بذكاء منقطع النظير.

الثورة المصرية علامة فارقة في تاريخ مصر والأمة العربية؛ ليس لأنها اطاحت برئيس فاسد بل لأنها، وبرغم كل ماحدث بعدها من عودة للنظام القديم، اثبتت ان بإمكان الجماهير العربية ان تعري نخبها وأن تبدأ بانتاج نخب جديدة؛ ففي دم كل شاب خرج في ٢٥ يناير بذرة لمفكر اجتماعي حر وشجاع ومخلص لوطنه وقادرٍ على احداث التغيير المنشود، وان غدا لناظره قريب.
تحية الى روح كل من استشهد في شوارع وميادين القاهرة مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى