الزعبي أحمد الأنقى والأبقى

#الزعبي #أحمد الأنقى والأبقى

( من ارشيف الكاتب )

بسام الياسين

ازفت الآزفة لوقف استنساخ شخصيات هشة،وحانت الساعة لرحيل نخب شاخت وذوت كثمرة متآكلة.كفى تدويراً لبضائع استهلكت لكثرة تدويرها، آن آوان لبناء دولة مدنية ونحن نشارف على منتصف الالفية الثالثة…هذا لن يكون الا بالتحلل ممن جاؤوا بالصدفة،و من نوائب عشعشت بين ظهرانينا، لغتهم ببغاوية وعتادهم جعجعة فارغة.

مقالات ذات صلة

احمد الزعبي نسر الكتابة المحلقة، التي تخترق الحجب العالية، من الاستحالة قصقصة جناحيه ومنعه من التحليق عالياً عاليا.هو صاحب اللغة اللاذعة كالتوابل الهندية الحارقة ،و الايحاءات الواخزة كوخز الشوك للاقدام الحافية.” سواليف ” ماركة مسجلة، تشي بحنكة خبير محترف وحكمة طاعن في التجربة والمعرفة،تشرح الصدر،تفتح شرايين القلب،تبعث الامل بان هنالك املاُ يستحق الحياة في هذه الحياة الكئيبة .تقرأ بين سطوره، حكايا موجعة تنبش الآلآم المطمورة في الحنايا،تّفجر الضحكات العصية،رغم عبوس القاريء وسوداوية واقعه.

بريشة حبره السحرية وتركيبته اللغوية الجذابة، اصبح ملك المقالة الساخرة بلا منازع.تفرد بالجلوس على ذروة القمة حتى بات يشكو الوحدة من بقائه وحيداً دون منافسة.لهذا توهجت صورته حتى غدا الاكثر شعبية. صَكّ تعبيرات فريدة متفردة،لدرجة انك تحبس انفاسك من روعتها.هي لفرادتها تخلب الالباب، تجمع الاضداد، تُوآءم بين المتناقضات في معادلة مدهشة.اللافت فيه،قدرته على خطفك من ذاتك حتى تنعدم قدرتك على الافلات منه الى آخر حرف من مقالته واخر كلمة من حديثه.

بحق هو كاتب الوجع الوطني المشبع بالانسانية، الامهر غوصاً في الواقعية، بادوات غاية في الجمال الفني والبلاغة الادبية، دون تفريط بالمعنى او المساس بالمبنى. المدهش فيه،تصويره المشهد الواحد منا من متعددة في ذات اللحظة،ودمج اللقطات في لقطة واحدة… يتجلى تميزه في بناء مقالة، بمعمار هندسي فريد في فن الكتابة اللا مألوفة،ورفع مداميك لغوية منحوتة بطريقة مبهرة حتى صارت ” سواليفه ” في المملكة الاردنية، برجاً اعلى من ” برج خليفة ” في دبي.مع فارق،ان ذاك من حديد وحجارة،بينما برج احمد حسن الزعبي مداميكه من ثقافة،سياسة وقضايا اجتماعية ناطقة باللغات الحية،استطاعت النفاذ من ثقب سقف الممنوعات، وعبور خرم المحظورات.مما ازعج الرقابة، وجعلها تمتليء غيظاً، لما تحمله من قوة تأثيرية ذات طاقة ايجابية عالية اكثر من “مفاعل خالد طوقان”.

سواليف الزعبي، يزدحم عليها القراء، كما يزدحم فقراؤنا على طرود رمضان او لحمة الاضاحى المكية،لانها تغنيهم عن فجاجة غيره،وما تحمله من مصارحة،مكاشفة،اضاءة،و صافرة انذار لما يجري خلف الستارة لانها كتبت بقلم محب لوطنه لا يُبارى ولا يُدانى،رسم فيها افضل السبل لمواجهة المشكلات الخارجية وعمل على تصليب الجبهة الداخلية لمقاومة التحديات.رافضاً كذبة التضييق على الناس بحجة ـ لا شيء يعلو صوت المعركة ـ وحشرهم في زاوية او داخل قنينة محكمة الاغلاق بفلينة امنية،بعد فشل الاساليب العُرفية التي اخرت مسيرتنا لعقود طويلة،كانت النتيجة خسارة المعركة مع عدونا اسرائيل وتعطيل الديمقراطية ولجم الحرية.

احمد الزعبي ايقونة كريستالية بالغة الشفافية، انى نظرت اليه ظاهره كباطنه.شخصية تقطر طهارة،واين تولي وجهك شطره، في وقت نالت شبهات متعدد بعض الكتبة،لكنها لم تُغبر نعليه،فعنده تتطابق الكلمة والموقف،كما الكتابة ليست تجارة او طريقاً لمنفعة كما هي عند الكسبة الباحثين عن العطايا او الحالمين بالمناصب.

معروف لمن يشتغلون بالثقافة ان للكتابة بابين…. احدهما يفضي للتنعم بافياء الحكومة،وآخر للتنوير من يلجه يعاني المنع والقمع. خاصة بعد انتهاء زمان ديكتاتورية الصحيفة الواحدة، واحادية القناة التلفزيونية الواحدة.، .اليوم تغيرت اللعبة،و اصبح المنع نكتة،والفضاء مفتوحا للصوت والصورة،غير قابل للسيطرة.كذلك انتهى زمن اعطاء الاذن او طلب الاستئذان.فالنسور التي استوطنت القمم لا تخضع لرقابة موظف.

في التاريخ قضايا مأساوية عصفت باهل الكتابة و الرأي المخالف المتقدمين على عصرهم.مأساة ابن المقفع، وصمة عار في تاريخنا. ذلك الطود قدم لنا ثراثاً ادبياً عز نظيره.ترجم للعربية كليلة ودمنة،و اعمال ارسطو الفلسفية اصبحت في متناول العامة،لكن المرضى المشتعلة نفوسهم حقداً عليه وغيرة منه، اتهموه بالزندقة. تلك فرية كاذبة افتروها للتخلص منه.القصة غضب الخليفة عليه،فاوحى لوالي البصرة ان يقتله. بادر الصعلوك الذي باع آخرته لاجل دنيا غيره بتنفيذ المهمة. لم يكتف بقتله بل حرقه ارضاءً لسيده.

خيوط جريمة اخرى نسجت على ذات النول في ايطاليا.قطعوا لسان المفكر ” جوردانو برونو ” ثم عذبوه امام الملأ الى ان فارق الحياة، لانه قال :ـ ان الارض تدور ايمانا بنظرية كوبرنيكس.بعد قرون عندما كنس العلم الخرافة بالبراهين القاطعة،واخذ العقلاء مواقع الجهلة و اصبح دوران الارض بديهية عند الاطفال،اعتذرت الكنيسة لـ ” جوردانو” وهو في قبره ثم اقامت له تمثالاً في المكان الذي شنق فيه لرد اعتباره.لا نطالب بتمثال لاحمد بل عودته كديك يطل علينا كل فجر من اعلى مئذنة في المدينة،يشق العتمة،يجرف الظلام ،داعياً للنهوض من فراش اليأس الى حلبة المواجهة….اخي احمد كلنا احمد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى