القيق وزوجته فيحاء.. حكاية فلسطينية عن الأمل والبطولة

سواليف

كنت أظن صوتًا حزينا مثقلًا بالألم سيأتيني من سماعة الهاتف حين تجيب، غير أني فوجئت به يستقوي بالصبر والقوة، وأحسست بالابتسامة مع كل حرف يخرج من فمها، فكنت لأول مرة أسمع صوتا باسما بحق. إنها الكاتبة فيحاء شلش زوجة الأسير الصحفي محمد القيق المضرب عن الطعام منذ 81 يوما.

لعل فيحاء هي أكثر فلسطينية تحركت وتنقلت فوق هذه الأرض، موخرًا، فمن الطبيعي أن تشاهدها اليوم في اعتصام أمام الصليب الأحمر برام الله، ثم تسمع في اليوم التالي أنها في وقفة تضامنية بالخليل، لا تعطلها الحواجز ولا يثقل خطواتها القلق على شريك حياتها، ولا يخفف نشاطها مسؤوليتها تجاه طفلين أصبحت هي الأم والأب لهما إلى حين عودة والدهما من بين فكي الموت.

طفل يسأل عن أبيه.. ولا إجابة!

وكأي طفل اعتاد أن يرى وجه أبيه باسما كل صباح، يلاعبه ويقضي ساعات طويلة بقربه؛ يتحسس إسلام (4 أعوام) غياب والده عنه طوال الفترة الماضية، ويكرر السؤال عنه عشرات المرات في كل يوم “امتا بابا راجع.. ليش اعتقلوه”، وأمام كم الاسئلة تلك تقف فيحاء عاجزة عن الاجابة.

وتقول فيحاء، إنها اضطرت بعد اعتقال محمد للانتقال من رام الله إلى منزل والد زوجها في الخليل، باحثة عن مساعدين لها في سد الفراغ الذي خلفه غياب والد طفليها عنهما، ولتستطيع في الوقت ذاته إتمام دورها كأم وصحفية وزوجة لأسير مضرب عن الطعام.

وتضيف، “رغم أني أسعى جاهدة لتعويضهم عن حنان الأب، وأقوم بما اعتاد أن يفعله محمد قبل اعتقاله كأن أحضر لهم الحلويات في كل يوم حتى لا يشعروا بأن شيئا قد تغير، ولكن صغر سن اسلام يجعله غير قادر على فهم معادلة الاضراب، فكان يكرر: ليش بابا مضرب عن الطعان، بدل الطعام”.

وراء كل امرأة عظيمة.. رجل!

هذا الغياب ومعه الأدوار المتعددة والمسؤوليات الكبيرة، جعلت فيحاء تستذكر كثيرا زوجها البعيد القريب، “فمحمد كان متفرغ وقريب مني بكل لحظاتي، كان معظم وقته يقضيه في المنزل، كان محمد الشخص الوحيد الي فاهم علي وبقدر يغير حالي للأفضل”، تقول فيحاء.

ولا تتردد فيحاء في الاعتراف بالدور العظيم لزوجها في دعمها بعملها، وهي الصحفية التي تحتاج لمتابعة الأحداث في رام الله والخليل والقدس وبيت لحم، فتُبيّن أنها كانت تضعف أحيانا بسبب الضغط الواقع عليها، ليخفف محمد عنها بمساعدتها في إجراء المقابلات.

وتوضح، أن محمد وهو حاصل على شهادة الماجستير من جامعة بيرزيت كان حتى آخر يوم قبل اعتقاله يقنع فيحاء في الحصول على هذه الشهادة مثله، وتعهد لها باستمرار في تحمل مسؤولية الأطفال أثناء انشغالها بالعمل والدراسة، فمحمد كان قد اعتاد على تحمل هذه المسؤولية ليوم أو لعدة أيام من كل شهر كفترات نقاهة كان يمنحها لزوجته لتخرج مع صديقاتها “لتغيير جو”.

وتضيف فيحاء، “كان يشاركني الأعباء المنزلية دون أن أطلب ذلك، ويقول لي: صورتي لا تكتمل كرجلٍ دون أن أساعدك ونتقاسم الأعباء سوية، حتى أنه كان يسهر برفقتي حتى الرابعة فجرا لترتيب البيت بعد الأيام الحافلة بالضيوف والاقارب”.

وتستذكر فيحاء أيام الثلج وتقول مبتسمة، “كان يرفض أن أقف وحدي لأطبخ، ويقول: لا أحب أن تمتهن صورة المرأة وتبقين وحدك تنجزين الغداء ونحن بانتظار أن تأتي إلينا به، ويرفض أيضا أن أغسل الصحون في أيام البرد ويقول: المطبخ بارد عليكي مش رح اتركك لحالك فيه واحنا قاعدين في الدفا”.

كما تؤكد فيحاء، فهو شريك الحياة بكل تفاصيلها، لكنه في الوجه الآخر الرجل العنيد جدا في الحق، وصاحب الرؤية الثاقبة، وهذا ما جعله قادرا على الاستمرار في إضرابه لما يقارب الثلاثة أشهر، دون أن تنجح كل محاولات الاحتلال في الالتفاف على إضرابه.

حُرًا وإمًا حُرًا..!

بتاريخ 5/شباط الجاري أصدرت محكمة الاحتلال العليا قرارا بتجميد الاعتقال الإداري لمحمد القيق مع الإبقاء عليه في مستشفى العفولة الإسرائيلية، غير أن أبو إسلام أصر على الاستمرار في إضرابه حتى الإفراج عنه وإنهاء اعتقاله الإداري بشكل كامل ليتلقى العلاج في رام الله.

وفي محاولة أخرى للتحايل على محمد، عرضت سلطات الاحتلال عليه فك إضرابه فورا مقابل الإفراج عنه مطلع أيار المقبل، لكن هذا العرض قوبل بالرفض أيضا. وتعلق فيحاء على ذلك قائلة، “محمد هو السجين والاحتلال هو الجلاد، ولم يرفض محمد الافراج عنه في 1/أيار بل الاحتلال هو من رفض الافراج عن محمد قبل هذا الموعد رغم وضعه الصحي المتردي”.

وأضافت، “نحن كعائلة نرحب بأي مبادرة للافراج عن محمد، ولكن الكلمة الاولى والاخيرة تبقى لصاحب الشأن الذي يتحمل كل المآسي من أجل نيل حريته”.

تفاعل متأخّر!

وبالعودة لأرشيف قضية محمد سنجد أن الإعلام وكذلك الشارع الفلسطيني تأخر كثيرا في الاهتمام بهذه القضية، وسنجد أيضا أن أول الفعاليات حركتها فيحاء بالدعوة والتواجد والتفاعل، حتى اتسعت شيئا فشيئا رقعة التفاعل مع الحدث وإن ظلت دون المستوى المطلوب.

وتبين فيحاء، أنها وبالرغم من عملها كمراسلة صحفية لإذاعة صوت الأقصى، ولها معارف في الوسط الإعلامي، إلا أن مهمة نشر قضية زوجها لم تكن سهلة أبدا، موضحة، أن الأمر احتاج إعداد خطة إعلامية محكمة تليق بإضرابه، وقد تعاونت في ذلك مع أشقائه واحتاجوا لأسبوع كامل لإتمامها.

وتضيف، “أجريت اتصالات عديدة مع نقابة الصحافيين وجميع المواقع الإخبارية المعروفة وغير المعروفة، وبقيت على تواصل لنشر الأخبار وآخر المستجدات عن زوجي .. الآن أنا راضية عن الحراك الشعبي لدعم قضيته، ولكني أتمنى أن أرى نتائج حقيقية في هذه القضية”.

لا زيارة!

وتواصل سلطات الاحتلال منع عائلة القيق من زيارته بزعم وجود منع أمني، لكنها سمحت لطفله إسلام صاحب السنوات الأربع بالتوجه وحيدا لزيارته في مستشفى العفولة، وهو ما رفضته العائلة دون نقاش فيه، وتقول فيحاء، “نحن نرفض هذه المعادلة التي تحيكها المخابرات الإسرائيلية لاخماد التفاعل الشعبي مع قضية القيق بمجرد لقائنا به”.

تجدر الإشارة إلى أن محمد القيق تعرض لتعذيب جسدي ونفسي منذ اعتقاله بتاريخ 21/تشرين ثاني الماضي، وهدده المحققون بالاعتقال الإداري والاعتداء الجنسي، ما دفعه للإضراب عن الطعام قبل أن يصدر أمر الاعتقال الإداري بحقه بعد ذلك.

قدس برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى