الطبخة السورية هل نضجت ؟ / هاني طاشمان

الطبخة السورية هل نضجت أم شارفت على ذلك؟
كل ما نستطيع قوله:- كان الله في عون الشعب السوري الشقيق. ونتمنى أن تعود الأوضاع السورية الى سابق عهدها من الأمن والسلام والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. ونقول:- ألم تصل سوريا الى مرحلة من مراحل الاكتفاء الذاتي من انتاج المواد الغذائية وكذلك الاكتفاء الذاتي من الصناعات الخفيفة والمتوسطة وخاصة صناعة الملابس وغيرها بل وتصل الى مرحلة التصدير من المنتج الزراعي والصناعي؟!
وهذا لم يتأتى لأي دولة عربية وحتى الخليجية منها بالرغم من الثراء الطائل جراء تصدير المواد النفطية والتي ظلت تعتمد على المنتجات المستوردة من غذاء ودواء وصناعات مختلفة معتمدة بشكل شبه كلي على تصدير النفط الخام.
ربما الوضع السوري لم يرق لكثير من دول العالم الصناعية ولا للبنك الدولي التي لم تقترض منه سوريا ولو ليرة واحدة، فكان لا بد من العمل على تركيع سوريا للقوى الدولية المختلفة التي لا هم لها الا مصالحها الخاصة، فوجدت وللأسف جهات وقوى داخلية جاهلة بالمستقبل السوري وقوى خارجية “اقليمية” فرصا للتعاون كأدوات للقوى الكبرى في تحقيق المخططات السياسية
وبالرغم من أن الثورة السورية في بداياتها كانت ثورة حقيقية تطالب بمطالب معقولة على اقل تقدير الا انهم لم يجيدوا اللعبة السياسية حقيقة ووقعوا في شرك القوى الكبرى الطامعة وهذا الجهل اودى بسوريا الى الهاوية ناهيك الى أن النظام ايضا لم يتعامل مع المعارضة او الثورة بشيء من اللين ربما لأنه كان يدرك خطورة الموقف وكان اكثر تنبؤا للمستقبل وهذا ما لم تفهمه المعارضة جيدا.
وخير دليل على ما ذهبت اليه هو ان القوى الكبرى هي من يقرر اجراء أية هدنة وهي من يقرر اجراء أية محادثات سلام وهي من يقرر عقد مؤتمرا دوليا وهي من يقرر تقدم او تراجع اي جبهة قتالية على الأرض في سوريا وهي من يقرر حجم القوة التي ينبغي على جيوش المعارضات ان يقتنيها وهي من يقرر الخطط القتالية على الأرض وهي من يقرر دخول المساعدات الانسانية من عدمها وحتى المبعوث الدولي دي مستورا ليست لديه اية خيوط للمبادرات او خيوط الحل السياسي وينتظر الى ما تقرره روسيا وامريكا حيث سحب البساط من تحت المعارضة والنظام معا واصبح كلاهما دمى متحركة بيد القوى الكبرى غير قادرين على اتخاذ أبسط القرارات التي تتعلق بالحرب على ارض الواقع.
على المعارضة السورية اذا كانت سورية حقا ان تقيم مواقفها جيدا والالتفاف الى نظامها السياسي الذي قاد البلاد الى مستويات اجتماعية واقتصادية جيدة، فالقوى الكبرى لا يهمها شيء سوى مصالحها فقط. فهل وصل اهل البيت السوري الى وعي ذلك جيدا
ان الاتفاق الأخير ما بين روسيا وامريكا اصبح الآن من الاتفاقيات الدولية السرية وهذا يعيدنا الى المربع الأول قبل قرن من الزمان حينما وضعت القوى الكبرى آنذاك بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916م
ان قرارات التقسيم في العراق اصبحت واضحة جلية في مستقبل العراق وها هي قرارات التقسيم ايضا في سوريا بدأت خيوطها تتضح للمراقب للوضع السياسي في سوريا؛ وهذا ما كنا نحذر منه مرارا وتكرارا … فالمخططات الدولية جاهزة ومتفق عليها من زمن بعيد ….. والآن جاء دور التنفيذ وتقاسم الكعكة بين القوى الكبرى ….. الا توافقونني الرأي ايها الأخوة بأن المشهد السياسي يكاد يتكرر الآن من جديد وكأن التاريخ يعيد نفسه؟
لننظر الى الصورة السياسية في القرن الماضي: قوى عربية تعاني الفقر والجهل والتخلف وويلات الاستعمار والتبعية العثمانية، جاءت الدول الكبرى بمخططات استعمارية وتقسيم تركة الدولة العثمانية وعلى رأسها البلاد العربية وزرعت وطنا قوميا لليهود في فلسطين
وصورة الواقع الحالي تكاد تكون ذاتها:- دول عربية ضعيفة تعاني التبعية للدول الكبرى التي جاءت بمخططات الشرق الأوسط الجديد واعادة التقسيم السياسي في البلاد العربية كانت البداية في العراق والآن سوريا وفي الطريق تقسيمات اخرى سنأتي عليها فيما بعد وتهدف هذه القوى الى إقامة الوطن القومي للأكراد في كل من العراق وسوريا ثم ايران وتركيا.
وهذا برأيي المتواضع حق للاكراد في اقامة وطن قومي لهم …… اذا المشهد السياسي يتكرر بصورة جديدة خاصة وان مفعول اتفاقيات القرن الماضي قد انتهت من الناحية القانونية في أروقة الأمم المتحدة بعد مرور مئة عام عليها ولا بد من ايجاد البديل الجديد ….. انه الشرق الأوسط الجديد الذي اعلنت عنه صراحة كونداليزارايس وزيرة خارجية امريكا قبل خمسة عشر عاما.
نتأمل ان تكون الطبخة السورية الآن قد نضجت ولا بد من وضع حد لهذه المعاناة للشعب السوري الذي تشرد في اقاصي الأرض ومغاربها وبظروف معيشية لا تليق بالبشر، والأمر من ذلك أن الكثير من دول الجوار قد تحملت عبئا كبيرا على موازنتها نتيجة لتقديم بعض الخدمات العامة للاجئين السورين مما اثقل كاهلها كلبنان والأردن في الوقت الذي امتنعت فيه بعض الدول العربية الغنية عن استقبال اي لاجىء سوري بالرغم من تدخلهم السافر في الشأن السوري الذي ازم الأوضاع الداخلية وأوصلها الى ما وصلت اليه من خراب ودمار وتشريد فمن الرابح في هذه الحرب ومن هو الخاسر؟
للأسف الشديد لن يكون هنالك طرف رابح بل الكل خسر المعركة والحرب، وعلى الجميع العمل على التسامي فوق الجراح وتخطي الكثير من الأوهام لوضع نهاية حقيقية لهذه المأساة، وأذكر بأن التاريخ مهما كان مزيفا لن يرحم كل من عبث بدم السوريين وترابهم.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى