مركز دراسات أمريكي حدد موقع طائرة أردوغان ونشره للانقلابيين

سواليف

إشارات استفهام كثيرة أثارها مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي “ستراتفور” بعد نشره تغريدات متعاقبة، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تحدد فيها موقع طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اللية التي شهدتها المحاولة الانقلابية الفاشلة، 15 تموز/يونيو الجاري، وإشارات الاستفهام هذه تدور حول طبيعة عمل المركز، ومصدر معلوماته، وعلاقاته بالاستخبارات، والجهات التي تقف خلفه.

ليلة المحاولة الانقلابية نشر مركز ستراتفور ثلاث تغريدات، حدد في كل منها موقع طائرة الرئيس التركي أردوغان، كانت بمثابة توجيه للانقلابيين من أجل اغتياله واستهدافه، وفي الوقت نفسه أثارت أسئلة كثيرة عند الرأي العام، حول المركز، وأسباب الضبابية والغموض التي تلفه، في مصدر المعلومات، والتمويل والعلاقات، والأشخاص وماضيهم الاستخباراتي.

أولى تغريدات المركز حدد خلالها على الفور، موقع طائرة أردوغان فوق بحر مرمرة، أتبعها على الفور بتغريدة ثانية حدد فيها موقع طائرة أردوغان بأنها على مشارف إسطنبول و”احتمال” أنها تتهيَّأ للنزول، أما التغريدة الثالثة فأكد فيها نزول طائرته في مطار أتاتورك، وأرفقها بخريطة تحدد خلالها موقع مطار أتاتورك.

عند سؤال الأناضول، مسؤولي المركز عن سبب نشر هذه التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي، في بلد يشهد محاولة انقلابية، وعن الآلية التي استدلوا من خلالها على موقع الطائرة، تهربوا من الإجابة بشكل مباشر على هذه الأسئلة.

لم يكتفِ مركز “ستراتفور” بنشر التغريدات، بل شارك خبرا كاذبا لقناة “إم إس إن بي سي” الأمريكية، ومفاده أن “أردوغان يطلب اللجوء من ألمانيا”.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، ففي اليوم التالي للمحاولة الانقلابية، أي في 16 تموز/يوليو، نشر مركز “ستراتفور” سيرة ذاتية للرئيس أردوغان، تضمنت معلومات كاذبة، من بينها، أنَّ سبب سجن أردوغان عام 1999، كان على خلفية ” تحريضه على العنف، والكراهية الدينية والعرقية”.

أما الثانية، فهي “عمل أردوغان طيلة عام 2000 على إضعاف قوة الجيش التركي”، وقدم إيماءات ضمن السيرة الذاتية توحي للقارئ، بأن لأردوغان عداوة شخصية مع الجيش، وهذا الأمر بحد ذاته يسوق لدى القارئ، أسباب تدفعه لشرعنة المحاولة الانقلابية.

وبعد ردود أفعال غاضبة من جهات دولية تعبر عن الرأي العام العالمي، حذف المركز الذي يعد أحد محركات الرأي العالمي، نبأ “طلب أردوغان اللجوء من ألمانيا” من تويتر.

ليست المرة الأولى لـ”ستراتفور”

تحويل رؤساء دول إلى هدف، أمر ليس بجديد، أو فضيحة غير مسبوقة بالنسبة لمركز “ستراتفور”.

تسربت إحدى رسائل البريد الإلكتروني لكبير المحللين الأمنيين في المركز “فريد بورتون” أرسلها لمحلل آخر، ذكر خلالها، قاصدا الرئيس الفنزويلي السابق “هوغو شافيز” “في وقت ما، دبرنا له (هوغو تشافيز) حادث تحطم طائرة”.

مركز ستراتفور، يعتبره البعض “ظل وكالة الاستخبارات الأمريكية” والبعض يرى أنه واسع الانتشار بين المؤسسات الإعلامية الأمريكية رغم الأخبار “الفضيحة” التي ينشرها، فعلى الرغم من مجيئها بعد مجلة “إكونوميست” الأسبوعية في الانتشار إلا أنَّ التقارير والأخبار التي تنشرها تعد أغلى بـ 400 أو 500 مرة من تقارير المجلة.

ومن المعروف أنَّ الأخبار التي يرد مصدرها على الشكل التالي “مصادر استخباراتية موثوقة” في الأخبار التي تبثها مؤسسات إعلامية كقناة “سي إن إن” ووكالات “بلومبريغ” للأنباء، وأسوشيتد برس” و”رويترز” وصحيفة “نيويورك تايمز” يكون مصدرهم حينها بالتأكيد “ستراتفور”.

أما مدى مصداقية ستراتفور والأهداف التي يتحراها في نشر الأخبار، فهذا مدعاة للتفكير مليا وطرح إشارات استفهام حول المؤسسة.

ويكيليكس تزيح الضباب الذي يلف ستراتفور

نشر موقع ويكيليس عام 2012، المراسلات الداخلية لمركز ستراتفور، وكشفت بذلك آلية العمل الداخلية للمركز.

على عكس ما يدعيه المركز في أنَّ التحليلات التي يصدرها تعتمد على مصادره معروفة، فلدى المركز بحسب ويكيليكس، جواسيس مجندين في كل مكان في العالم.

وأظهرت ويكيليكس أنَّ ستراتفور تدفع مرتب 6 آلاف دولار شهريا لشخص في الجيش اللبناني، لتقديم معلومات للمحللين المتخصصين بالشرق الأوسط لديها.

ولا يعرف إنَّ كان للمركز موظفين في الدول الأخرى، مثل الذي في الجيش اللبناني .

ستراتفور… ظل الاستخبارات الأمريكية

يقع مركز ستراتفورد في أوستن عاصمة ولاية تكساس، ، تأسست عام 1996، من قبل المحلل السياسي والاستراتيجي الشهير “جورج فريدمان”، ويعرف المركز نفسه بأن متخصص بالتحليلات الاقتصادية والسياسة الخارجية، والأمن، على الصعيد العالمي، وتشمل تحليلاته قرابة 175 بلدا حول العالم.

واعتماد المركز على تمويل نفسه ببيع تحليلاته للمشتركين، وتلقي المال من قبل ممولين، كفيل بإخراج المركز من تصنيفها كمؤسسة فكرية.

وبعد كشف ويكيليكس لوجود “جواسيس” حول العالم تابعين لـ “ستراتفورد ” يكتبون تحليلاتهم بلغة إنكليزية جيدة، باتت تعرف الأخيرة بأنها “ظل للاستخبارات الأمريكية”.

و لستراتفورد، مشتركين من مؤسسات رسمية وخاصة، حول العالم، فمن مشتركيها بالولايات المتحدة الأمريكية، وزارة الخارجية، والبنتاغون، ورئاسة الاستخبارات ووزارة الأمن الداخلي، ومجموعة لوكهيد مارتن (أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم) ومجموعة “نورثروب غرومان” لصناعة السفن الحربية وحاملات الطائرات، وشركة “ريثيون” المتخصصة في صناعة الأنظمة الدفاعية.

أسئلة استفهام حول القائمين على ستراتفور،

مؤسس المركز “جورج فريدمان”، يهودي، من أصل مجري، يعد من “المحافظين الجدد” ومعروف بمعاداته للإسلام، وتأييده لدولة إسرائيل.

تنحى فريدمان، عن إدارة المركز، عام 2015، ليحل مكانه، ديفيد سيكورا، مؤسس موقع المبيع عبر الهاتف ” Digby” حوَّل سيكورا موقع “Digby” إلى موقع كبير في فترة وجيزة، وجيء به لإدارة المركز على الرغم من قلة خبرته في قضايا الاستخبارات وتكنولوجيا الحروب، إلا أنه يعد خبيرا في عالم الرقميات والتجسس الرقمي، ويكون سيكورا على رأس عمله في الساعة 08:00 صباحا، وينتهي في الساعة 06:00 مساء، وهو أب لثلاثة أطفال بنات.

ومن المديرين المسؤولين في المركز، “جون ساثير” عميل الاستخبارات الأمريكية لمدة 25 عاما، والمشارك في العديد من العمليات الاستخباراتية حول العالم، أصبح في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 مسؤول الاستخبارات في ستراتفور.

وتولى “بريت بويد”، منصب نائب مسؤول الاستخبارات في المركز، وهو من قادة القوات الخاصة الأمريكية سابقا، وشارك في العمليات العسكرية للجيش الأمريكي في العراق.

أما رئيس التحرير في المركز، ديفيد جودسون، فقد أمضى ثماني سنوات في تركيا، عمل خلالها منسقا عاما في جريدة “ريفيرانس” التابعة لمجموعة دوغان الإعلامية، ثم مديرا للنشر في صحيفة “حرييت ديلي نيوز”.

ومن كبار محللي الشأن الأمني ومكافحة الإرهاب في ستراتفور، “سكوت ستيوارد”، عمل في وزارة الخارجية الأمريكية، قرابة 10 سنوات، كعميل خاص، ويعد ستيوارد خبيرا في التنظيمات الإرهابية وطريقة عملها وتكتيكاتها.

وتبقى المعلومات عن بقية موظفي المركز، غامضة، إلا أنَّ مؤشرات تظهر ارتباطها مع عملاء وأجهزة استخبارات دول كثيرة، تدور حولها أسئلة استفهام.

ستراتفور الحديقة الخلفية للاستخبارات الأمريكية

وحول طبيعة عمل مركز ستراتفور، يرى الأستاذ في جامعة يلدرم بيازيد، بيرول آق كون، أنها في الظاهر تبدو ذات شفافية، إلا أنَّ الضبابية والغموض التي تلف الواقفين خلفها تثير أسئلة الاستفهام كثيرة حولها

ويبين آق كون أنَّ نشر ستراتفور للأخبار أمسية المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، ساعة بساعة وبسرعة، يظهر أنَّ طبيعة عملها هو أنها ظلُّ للاستخبارات الأمريكية.

وقال آق كون “من الواضح أن المراد كان نجاح الانقلاب في تركيا، إنَّ مؤسسة ستراتفورد معروفة بأنها الحديقة الخلفية أو الظل غير الرسمي للاستخبارات الأمريكية، مثل هذه المؤسسات لا تكون مستقلة، فكيف لها أن تحدد وتنشر على الملأ موقع طائرة أردوغان وتحوِّله لهدف في مرمى الانقلابيين”.

وأشار آق كون، إلى أنَّ المعلومات التي كانت تنشرها ستراتفورد ليست من تجميعها، بل معلومات قامت الاستخبارات الأمريكية بتزويدها إياها، قائلاً ” بعد الساعة الثانية (بعد منتصف الليل)، بدأوا (ستراتفور) بنشر معلومات حول تقهقر الانقلابيين، هؤلاء إما أنَّهم على تواصل مباشر مع الانقلابيين، أو أنَّ أجهزة استخباراتية كانت تزودهم بالمعلومات، وهؤلاء بإظهار موقع طائرة أردوغان، لم يكونوا يقدمون أخبارا أو معلومات، بل كانوا يحاولون إدارة حدث(…) لو كان الأمر في الولايات المتحدة، لما تجرأوا على نشر موقع الرئيس الأمريكي، أو لما كانوا علموا بمكانه في الأصل.

وطرح آق كون احتمال تجنيد ستراتفور لعملاء من الجيش التركي، على غرار عميلها في الجيش اللبناني، الذي كشفت عنه وثائق ويكيليكس، وقال أيضا” إنَّ الموظف المناسب لهم في تركيا، يأتي من الأشخاص الذي يعادون أردوغان، وعليه فإنَّ من أهم مزايا منظمة فتح الله غولن، هي عالميتها وقدرتها على جمع المعلومات واستخدام قوة المركز لتسويق هذه المعلومات”.

ومن جانب آخر يرى أحمد أويصال الأستاذ في جامعة مرمرة التركية، منشورات مركز ستراتفور، أمسية المحاولة الانقلابية، بأنها سعي للإيقاع بأردوغان في أيدي الانقلابيين، وليست مادة إعلامية للنشر”.

وأردف أويصال “إنَّ تحديد موقع الرئيس الأمريكي ونشره في مثل هذه الحالات ، أمر لايمكن أن تقوم به ستراتفور، فهذا الأمر يعد خيانة للوطن من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، أما حين ينطبق الأمر علينا فيصبح الأمر حرية إعلامية”.

وأشار أويصال إلى العلاقة التي تربط زعيم منظمة الكيان الموازي “فتح الله غولن” برئيس الاستخبارات الأمريكية الأسبق، غراهام فولر، قائلاً “إنَّ ما جرى في تركيا، أصبح بعد حين محاولة انقلابية، وفي مصر فعلوا نفس الشيء، عندما ينجح الانقلاب، يُظهرون أنفسهم وكأنهم يتعاملون مع أمر واقع أمامهم، يقولون بأنهم لا علم لهم بالمحاولة الانقلابية في تركيا، ولا يمكن للاستخبارات الغربية، أن تكون بدون أي معلومات حول المحاولة الانقلابية، بل هم وراءها، ونحن نرى بشكل واضح أنَّ غراهام فولر، ورجال استخباراته السابقين، ضالعون في المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا.

وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، في وقت متأخر، من مساء الجمعة (15 تموز/يوليو الماضي)، محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة “فتح الله غولن” (الكيان الموازي) الإرهابية، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان الشطرين الأوروبي والآسيوي من مدينة إسطنبول (شمال غرب)، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة.

وقوبلت المحاولة الانقلابية، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن، ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب مما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.

جدير بالذكر أن عناصر منظمة “فتح الله غولن” الإرهابية – غولن يقيم في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1999- قاموا منذ اعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الامر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الإنقلابية الفاشلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى