أزمة القدس وصفقة القرن / منى الغبين

أزمة القدس وصفقة القرن

القضية الفلسطينية هي إحدى نتائج انتصار المشروع الاستعماري الغربي في الحرب العالمية الأولى ، والذي كان من أهم بنوده المطروحة منذ قرن هو إقامة كيان يهودي في فلسطين، وقد تمّ الاتفاق على هذا المشروع بين الجميع في مؤتمر كامبل بنرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا في عام 1905 واستمرت مناقشات المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، حتى عام 1907 وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها ” وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.
وكان من بنود هذه الوثيقة أنّ المؤتمرين قد اتفقوا على إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
وقد وضعت مقررات هذا المؤتمر موضع التنفيذ بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها مباشرة، ثمّ كانت القصّة التي انتهت باحتلال كلّ فلسطين وأجزاء من سوريا ومصر…. الخ.
لا يعنينا استعراض التاريخ في هذا المقام كثيرا، وإنما الذي يعنينا هو ما يسمّى بصفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي، والذي ربما يطمح لأن يكون هو الرئيس الذي استطاع أن يفرض الحلول النهائية لهذه القضية بما عجز عنه سابقوه، وربما أنّه آن الأوان في نظر الإدارة الأمريكية لفرض حلول مؤلمة بطريقة فجّة بشعة بدون مكيجة ، وربما كان الرئيس دونالد ترامب هو الأقدر على ذلك حيث أنّه يفعل ما يريد على رؤوس الأشهاد بعيدا عن الأساليب الدبلوماسية الناعمة كما فعل في ابتزاز السعودية علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
جميع الحكّام العرب يعرفون مدى بشاعة الحلول النهائية، ويدركون أنّها ستشكّل صدمة للشعب العربي بشكل عام وشعب فلسطين بشكل خاصّ، فلن تكون دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولن يكون هناك حقّ عودة للمهجرين من أرضهم، ولن تعود القدس للسيادة العربية ، وستكون
الدولة الفلسطينية أشلاء متناثرة غير متواصلة داخل الكيان الصهيوني، وجميع هذه الأمور (بصمت ) عليها السلطة الفلسطينية في اتفاقية أوسلو، وباركها سائر الحكّام العرب، ومن ذلك ما جاء في تفاهمات ألمرت -عباس التي نصت على “أن يكون الحل الإقليمي بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية ،قائماً على أساس حدود عام 1967 في ظل تبادل للأراضي، وإبقاء الأحياء اليهودية التي بنيت في القدس بعد حرب عام 1967 تحت السيادة الاسرائيلية، واعتبار الأحياء العربية التي تندرج اليوم داخل اراضي بلدية القدس جزءاً من “الدولة الفلسطينية”، وإخضاع “الحوض المقدس″ من القدس وفقاً للأديان الثلاثة بما في ذلك البلدة القديمة للوصاية الدولية، وهو ما كشفت عنه تسريبات من الجانب الصهيوني من أن القدس ستخضع لوصاية كل من: الولايات المتحدة، والسعودية، والأردن، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، وسلطة الاحتلال”.
وجاء في تلك التفاهمات “موافقة الاحتلال على استيعاب فلسطينيين داخل حدودها على أساس فردي وإنساني، وليس على أساس جمع شمل العائلات. كما تضمنت التفاهمات موافقة الاحتلال على الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية؛ من خلال نفق يكون الدخول والخروج منه وإليه تحت سيطرة فلسطينية، ومنح “الدولة الفلسطينية” السيادة على قسم من البحر الميت المحاذي لحدودها، دون أن يتضمن هذا البند السيادة الفلسطينية على مصانع البحر الميت ومنطقة الفنادق، وأن تكون “الدولة الفلسطينية” مجردة تماماً من كل قوة عسكرية.
ثم جاءت بعدها خطة كيري التي ادخل عليها بعض التعديلات لتفاهمات المرت-عباس والتي تضمت :
“ضم “إسرائيل” 6.8 في المئة من أراضي الضفة الغربية لبناء مستوطنات مقابل وضع 5.5 في المئة من الأراضي التي تسيطر عليها “إسرائيل” تحت السيطرة الفلسطينية، وإقامة معبر آمن بين غزة والضفة الغربية، وأن يكون هناك خط قطارات سريع يعمل على نقل المسافرين مباشرة بين غزة والخليل .
وان القدس الشرقية سيتم تقسيمها بين “إسرائيل” والفلسطينيين، و”الحوض المقدس″ الذي يشمل المسجد الأقصى وحائط البراق، فسيكون تحت إشراف لجنة دولية من خمس دول؛ وهي: “الولايات المتحدة، والأردن، والسعودية، وإسرائيل، والسلطة”.
إذن صفقة القرن فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية يتمثل في ثلاثة أمور رئيسية:
الأول : تدويل القدس واعتبارها مدينة مقدّسة للأديان الثلاث تحت اشراف دولي.
الثاني: دولة فلسطينية مقطّعة الأوصال في الضفّة وقد تضمّ إليها غزّة، إن لم تفصل غزّة بدويلة تتوسع قليلا في سيناء.
الثالث : الإعلان رسميا عن اسقاط حقّ العودة بما في ذلك نازحي 1967م.
ونظرا لأنّ هذه الحلول مؤلمة مستبشعة ، فقد كان الجميع يحاول تأجيلها حتى تتم تهيئة الشعوب نفسيا لقبولها ، ونظرا لما تمتع به الرئيس ترامب من صراحة حدّ الوقاحة فإنّه هو المؤهل الوحيد لإعلانها بدون خجل ولا وجل، وكيف لا وهو صاحب التصريحات المشهورة أثناء حملته الانتخابية بأنّه يريد ابتزاز العرب وغيرهم من محميات أمريكيا، ونفّذ ذلك فعلا في مؤتمر الرياض وعلى رؤوس الأشهاد،ثمّ جاءت خطوته بإعلان القدس عاصة لإسرائيل، والتي أثارت العالم الاسلامي والمسيحي ليكون الحلّ بتفاهمات دولية تنتهي بتدويل القدس، وهو الحلّ الذي سيظهر معقولا ومقبولا لدى الجميع.
ولكن هل سيصمت الجميع ويتمّ تنفيذ المشروع، فهذا مرهون بإرادة الشعوب العربية والمسلمة وحدها ، فإن استيقظت، ورفضت، واستفادت من تجارب الماضي فإنّها ستحقق نتائج مبهرة تفوق الخيال، وإن كررت التجارب السابقة بنفس الوسائل والأساليب فإنّها قد تؤجل تنفيذ المشروع مع التمهيد له أكثر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى