شعب يتقلّى وحكومة تتفلّى / سالم الفلاحات

شعب يتقلّى وحكومة تتفلّى

مؤلم ومدمر صادع هذا الإنفصام النكد وغياب التوافق والتكامل بين حكومة وشعبها.
والصورة على عكس ذلك تماماً عند عدونا الصهيوني على بعد أميال، حيث يطمئن نتنياهو على قاتل الأردنيين ويسأله هل رتب موعداً مع عشيقته ؟ ويرتب له الموعد !
بحت الأصوات من النداء.
وجفت الأقلام لكثرة كتابات الكاتبين والمحللين السياسيين.
وخنقت العبرات أصحابها الذين لا يزالون أحياء ينبض في عروقهم الدم العربي المسلم.
واغرو رقت العيون الباكية بالدماء بعد نفاذ دموع التكالى.
وتعب الصارخون المحذرون المنذورن واسقط في أيديهم، فلا حياة لمن تنادي من الحكومات، والحكومات بخير وعافية تتفلى.
نعم الحكومة تتفلى (بالفا).. وسأعفي نفسي من شرح معنى (تتفلى).
الشعب يا حكومة يتقلى (بالقاف) – أي هو في مقلاة على نار حارة تشتعل كل يوم، وهو في مِرْجلٍ يغلي.
وشدة الغليان أو شدة حرارة المقلاة ستحوله من حاله المعتاد إلى حالةٍ جديدة غريبة يستحيل الحيلولة دون وقوعها وعندها لا ينفع الندم، وهذه قوانين طبيعية لا يتحكم بها بشر، أليس كذلك؟
فالماء يحفظ ويستخدم أما عندما يتحول إلى بخار فيزداد حجمه ويصعب جمعه ويتوزع في مساحات واسعة لا يسهل ضبطها.
إن تحول الشعوب المكلومة المكلومة بحريتها وكرامتها وشهامتها ومقدساتها، وبفلذات أكبادها، وبأعز ما تفتخر به، إضافة إلى مصائبها الدائمة المعيشية والتعليمية والوظيفية، وضرائبها وقوانينها، وممارسة المتسلقين على ظهرها، والمحسوبية والامتيازات على حسابها.. وفي كل يوم جديد مفزع ولا ضوء في نهاية النفق مهما…..
لا تدري ما الذي يكسر عيوننا ويكبل أيدينا ؟
ما الذي يكتم أصواتنا ؟
ما الذي يحرمنا من أن نشتم رائحة المجد والحرية وننتصر لكرامتنا لأُردنيتنا لعروبتنا لإسلامنا لإنسانيتنا ؟
ما الذي يمنونه علينا ؟ الماء الذي سرقوه منا زلالاً وأعطونا بعضه ملوثاً من طبريا ؟
يهددوننا بقطع الغاز – الغاز غاز أرضنا العربية السليبة الذي سوقناه لهم رغم أنف شعبنا الرافض له ؟
ام يمنون علينا الأمن.. فهل هم الذي يحمون حدودنا كما قالوا ؟ بل من يحفظ حدود من ؟
إنّ تجاهل الوضع الشعبي المتأزم، الذي لم يجد حكومة تنتصر له من المكر الصهيوني المستمر، وكل حادثة أسوأ وأشد إيلاماً من سابقتها، بحيث نتمزق وتتقطع أوصالنا وصِلاتُنا، بينما العدو ينعم بكل ما يريد وأكثر مما يريد وعلى حسابنا.
ترى هل نسي الأردنيون القاضي الأردني رائد زعيتر رحمه الله وما جريمته ؟ وهل استقدمنا من قتله للتحقيق معه ؟ ومن طوى الملف كيف ولماذا ؟
في القلب غُصة وفي النفس مرارات..
وهل نسي الأردنيون مصرع الرقيب إبراهيم الجراح حارس السياح الإسرائيليين في ظروف غامضة في سيل ماعين.
وليس أخيراً الجندي الأردني الساهر في الصحراء على أمن ضيوف مدوا أيديهم في (الخرج) من خلف ظهر المضيف الوكيل معارك أبو تايه الحويطات.
أما الذين يُقْتلون صباح مساء في القدس وفلسطين بعامة بحجة نيتهم (أنظر نيَّتهم) مقاومة الاحتلال رجالاً ونساءً فلا حصر لهم ومنهم (المحاميد) أو المحمدين الستة فلا بواكي لهم.
الحكومة تتفلى أو لا تتفلى فهي غير فاعلة، وغير قادرة ولكنها تقبل أن تتظاهر بالقدرة والسيادة.
ورحم من قال:
ومكلف الأشياء فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار
أن تكون الحكومة ضعيفة وتتوارث الضعف فهذا أمر معهود، أما أن يتسرب الضعف والهوان للدولة فتلك مصيبة المصائب !!!
ماذا يقول نتنياهو ؟ وماذا فعل وماذا يفعل ؟ إنه يدوس على قلب كل أردني حي ليس بتصريحاته فقط إنما بأفعاله من تكريم القاتل ومداعبته وتطمينه وتهريبه ومن حديثه عن صديقته.
قبل أن ندفن شهيدنا يرتب نتنياهو لقاء عاطفياً بين ضابط الموساد القاتل وبين عشيقته بعد أن يستقبله كفاتح في مكتب رئاسة الوزراء.
ماذا قالت أم الموسادي القاتل للشاب الدوايمة والطبيب، وماذا قالت لنتنياهو ؟
وماذا تقول أمهات الشهداء والمظلومين الأردنيين الجراح، ورائد زعيتر، وأبو تايه، والشهيدين الجواودة والحمارنة وغيرهم ؟
هل لو ارتفع السكر عند أحد دبلوماسيينا في تل أبيب فقتل كلباً بوليسياً لأحد الشرطة الإسرائيلية على أبواب الأقصى هل سيأتينا سالماً غانماً خلال ساعات ؟! قبل أن توافق عائلة صاحب الكلب ؟ وتفرض الملايين تعويضاً عن الكلب هذا إن قبلت !!
وكأن تاريخ استكبار الأقوياء وانكسار الضعفاء يعيد الكرة من جديد.
ولكن من العرب والمسلمين من يخرجه الظلم والتعالي وزيادة الضغظ عن طوره ويعيده لأصل كرامته، هل نسيتم قصة الفونسو السادس الذي حاصر قشتالة التي كان يأخذ الجزية من أهلها سنين عديدة ولم يكتف بل طلب على لسان وزيره (اليهودي) أن تلد امرأته داخل مسجد قرطبة ليكون ولده ممن يحكم العالم، وهنا قتل المعتمد بن عباد الرسول الوزير اليهودي المتغطرس ورفض الطلب وكتب على ظهر كتاب الفونسو سطراً واحداً زلزل قلب الفونسو وجنوده مما جعله يرجع عن محاصرة قشتالة مذعوراً وكان السطر هو:-
وماذا أجاب سلطان المماليك رسل التتار إلى مصر سوى الانتصار في عين جالوت لينهزم التتار إلى الأبد.
هل من ساعة عزة تغزونا ؟
هل من نسيم كرامة يمر بجوارنا ؟
هل من عاصفة شهامة ترهب عدو الله وعدونا ؟
هل من لحظة يقظة ضمير تردنا إلى صوابنا ؟
إنها قادمة إن لم يكن اليوم فربما تنتظر لحظة العلو الكبير ونفاذ الصبر وطغيان الظلم حتى تستيقط الارادات المخدرة.
وعندها سينسحب الفونسو (العاشر) مذعوراً عندما يسمع سطراً واحداً من سفر الكرامة والعزة والشهامة: “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ” المنافقون (8)، “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” التوبة (14).
ترى هل تستمر الحكومات تتفلى والشعب يتقلى، أم تدخل مدرسة المعتمد بن عباد ؟ وتنحاز إلى شعوبها وتُطلّق كل مزامير الوهن وشعوذات الهوان ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى