كائنات متدحرجة / يوسف غيشان

كائنات متدحرجة

…وما تزال الكتابات الأدبية،ربما تحت تأثير القصور الذاتي ، تعتبر الكرش رمزا للإستغلال والجشع والثراء الفاحش، مع أن هذه الترميزات قد اختلفت، لا بل انعكست مع بداية تشكل كرشي المبجل الفائق الإحترام والإحتراف، الذي يمكن اعتباره بداية النهاية لإنعكاس الرمز، وهذا ما اتمنى أن يتنبه له كتاب القصة القصيرة والرواية الجدد، ناهيك عن رسامي الكريكاتير ومن لف لفهم.
إذ بدون أي فخر، وبلا ذرة اعتزاز ، فقد شهدت دزينة السنوات المنصرمة من هذا القرن إنضمامي المؤزر الى فئة أصحاب الكروش العرب، الذين يصلون الى 45مليون كرش عربي عدا ونقدا،من بين نصف مليار متكرش في العالم أجمع، وبذلك تكون عشيرتي أكبر وأثقل عشيرة وعزوة في العالم العربي .
ولعل الفضل الأول في هذا التكرش اللاإرادي يعود الى أني عملت سابقا، في موقع اليكتروني عربي مسؤولا عن الكتابات الساخرة، مما أقعدني طريح الكرسي أمام شاشة الكمبيوتر للعديد من الساعات يوميا، فبدأت بتخزين المواد الأولية اللازمة لتصنيع الكرش.وقد تركت العمل هناك بعد عام تقريبا ، لكن الكرش استمر في النمو وأكتساب حيز أكبر في هذا العالم.
انعكاس الرمز، عبارة معقدة وثقيلة على الكتابة الساخرة ،ولا أعرف اذا كانت مستخدمة نقديا فقد ابتكرتها للتو، لكنها واقعية تماما، إذ أن المستغلين والجشعين والأثرياء في عالم هذه القرن، صاروا يمارسون الرياضة ويلتزمون بالحميات ، ويتعاطون الأدوية والوصفات التي تحافظ على رشاقتهم، وهكذا حافظوا على صفاتهم المتوحشة، لكنهم تخلصوا من الكرش نهائيا ، وما عاد الكرش ينفع كترميز لهم.
أما الفئات ذات الدخل المحدود- مثل حكايتي- فإنها حافظت مرغمة على تكرشها، لأنها لا تمتلك الوقت ولا المال للتخلص من الكرش وملحقاته، فهي دوما منهمكة في الركض وراء رغيف الخبز المستدير كالعجلة ، الراكض أمامها كالعجل المصاب جنون البقر، وهو ركض قد يفقدنا بضعة كيلوغرامات ، لكن اطنان النشويات والكروبوهيدرات التي نلتهمها تقوم بالمهمة التعويضية خير قيام.
لذلك أقنعنا انفسنا، نحن المتكرشين أدناه،بأننا نحتل حيزا أكبر ونساهم في تحرير العالم من المستغلين الحقيقيين، ذوي القامات الممشوقة والكروش المحروقة. إضافة الى أننا نعشق الفكاهة والضحك ، ولا نحمل الأشياء على محمل الجد، الا على طاولات الطعام، وهذا حق طبيعي لنا، لن نفرط فيه ، رضي من رضي ، وغضب من غضب.
وعلى ذكر الطعام ، وتأكيدا لما سبق، فإن أراذل الطعام هي التي تؤسس للكرش وليس أطايبه،والإفراط في تعاطي النشويات ، مثل الفول والخبز والعدس، تؤدي الى ترهل الكرش، وليس أكل اللحم والمرتديلات والدجاج والسمك. ونظرة احصائية عادلة الى نسبة المتكرشين في العالم العربي ، ستكتشف أن اكثر اصحاب الكروش يتركزون في المناطق الأكثر فقرا.
صحيح أنك لا تفرق بيننا – من بعيد- وبين أنبوبة الغاز،وصحيح أننا نعاني ونلهث تعبا ونحن نمشي ، وأننا نجد صعوبات جمة في ركوب السيارة، وصعوبات في النزول منها ، وصحيح أننا نحرج انفسنا ونحن نرى ونسمع أزرار القمصان والدشاديش وهي تتطاير من أمامنا عند الضغط المفاجئ…وصحيح وصحيح وصحيح.
إلا أن كل هذا لن يردعنا ، فنحن العشيرة الأكبر ، بينما انتم الذين لم تمنحكم الطبيعة نعمة التكرش، تتقافزون مثل الكناغر وتتناطحون وتتحاربون وتقتلون بعضكم بعضا . هل شاهدتم عسكريا متكرشا ، أو إرهابيا بالغ السمنة، أو نشالا يتدلى كرشه أمامه ..لا..وألف لا؟؟؟
يحتاج القتال والذبح والقتل ، وتحتاج السرقة والنشل والخيانة، الى خفة الحركة التي نفتقدها ، لذلك فأننا من المحصنين ضد هذه الممارسات التي تسئ الى إنسانية الإنسان، نحن كائنات متدحرجة مرحة لطيفة.
ولا تنسوا قانون اسحق نيوتن الذي يقول: كلما ازدادت الكتلة تزداد الجاذبية….
معا من أجل كروش أكبر واثقل!!
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى