خطاب نشاز تحت قبة البرلمان / موسى العدوان

خطاب نشاز تحت قبة البرلمان

عندما استمعت لخطاب أحد نوابنا المحترمين، في جلسة من جلسات مشروع الموازنة لعام 2017، اعتقدت لأول وهلة أنني استمع لخطاب نائب في الكنيست الإسرائيلي. أن يصل التمادي بنائب في البرلمان الأردني ويتهم القوات المسلحة الأردنية بأنها ” تحمي حدود الكيان الصهيوني ” ما هو إلا خروج عن اللياقة وتجاوز لحدود الأدب، التي يجب أن يتصف بها نائب الأمة.

إن مهمة القوات المسلحة الأردنية يا سعادة النائب، هي حماية حدود الأردن من جميع الجهات، ولا أعرف ما هي الخلفية التي تخولك بالإفتاء في أمور عسكرية بعيدا عن مهنتك التجارية ؟ فهل وجود جنودنا على الضفة الشرقية لنهر الأردن وأنظارهم وبنادقهم مصوبة نحو الغرب، هو برأيك دفاع عن الكيان الصهيوني ؟ هل ترى سعادتك أن يتمركز جنودنا على الضفة الغربية وأنظارهم وبنادقهم مصوبة نحو الشرق، هو الأسلوب الصحيح للدفاع عن الأرض الأردنية ؟ أم ترى أن إخلاء المنطقة الحدودية من التواجد العسكري هو الحل المناسب للدفاع عن الدولة الأردنية ؟

لا ألومك على ما تفوهت به لأنك تستقي معلوماتك عن الأمور العسكرية من الصحف الصفراء، ولم تجرب الخدمة العسكرية، ولم تشارك أو تشهد الحروب الماضية، لأنك لم تكن قد خلقت بعد.
أعتقد أنك لم تقرا حتى عن بطولات الجيش الأردني، في الحروب التي أتيحت له المساهمة بها بإستراتيجيته الخاصة، لكي يحافظ على جزء من فلسطين، وهو ما سمي لاحقا بالضفة الغربية، رغم شح الإمكانيات التي كانت بين يديه، مقارنة مع بقية الجيوش العربية. ولكي أذكرك ببطولات هذا الجيش ورجالاته على ثرى فلسطين الطهور، الذي لم تقدم له حضرتك إلا الكلام الفارغ والتمنيات التي تراها في الأحلام، سأسرد لك بعض النماذج من بطولاتهم التي تجهلها أو تتجاهلها.

مقالات ذات صلة

• في مساء يوم 24 أيار 1948 شنت القوات اليهودية هجوما بقوة ضمت ثلاثة آلاف مقاتل على مواقع الكتيبة الرابعة والتي يقودها المقدم حابس المجالي. واستمر الهجوم ثلاثة عشر ساعة متواصلة، أجبر العدو على في صباح اليوم التالي على الانسحاب، بعد أن ترك خلفه 800 قتيل وعددا من الجرحى والأسرى، والكثير من الأسلحة والمعدات. وسميت على أثرها الكتيبة الرابعة بالكتيبة الرابحة.

• في يوم 25 أيار صدر الأمر لكتيبة المشاة الأولى باحتلال تلة الرادار. فطلب قائد السرية الملازم سلامة عتيق من قائد الكتيبة أن يهديه هذا الواجب المقدس. وبدأت عملية الهجوم على الهدف في صباح يوم 26 أيار، بعد تمهيد بالمدفعية لمدة تسعة دقائق. فزحف الجنود ببسالة فائقة في مواجهة نيران كثيفة من الرشاشات والبنادق المعادية، ووقع العديد من الشهداء والجرحى وكسرت ساق قائد السرية. وعندما حاول جنوده إعادته إلى الوراء لإسعافه رفض أن يغادر أرض المعركة، وأخذ يزحف إلى الأمام على يديه وساقه السليمة، ويجر ساقه المكسورة خلفه إلى أن تم احتلال الهدف. ثم رفض أن يحمله رفاقه إلا بعد أن يتم إخلاء الجرحى الآخرين من أفراد سريته.

• في مساء 30 أيار شن العدو هجوما على مواقع الجيش الأردني في اللطرون وباب الواد، وحاصر مركز بوليس اللطرون بقوات متفوقة ثم استعد لاقتحامه. فطلب الملازم عبد المجيد المعايطة من المدفعية الأردنية أن تقصف المركز عليه وعلى العدو. ونتيجة لذلك طرد العدو بعد أن وقعت به خسائر كبيرة، استشهد الملازم عبد المجيد المعايطة وعدد من جنوده، رحمهم الله جميعا.

• في ليلة 8 / 9 حزيران شن العدو هجوما آخر على اللطرون، وعندما وصلت القوات اليهودية إلى مواقع الكتيبة الرابعة وأصبحت على بعد 70 مترا عن قيادة الكتيبة تأزم الموقف. فقال قائد الكتيبة المقدم حابس المجالي لطبيب الكتيبة الدكتور يعقوب أبو غوش الذي كان يقف قريبا منه، ويحمل كل منهما مسدسا محشوا بست رصاصات : سنبقى هنا . . وإذا وصل جنود العدو إلينا . . سيطلق كل واحد منا خمس رصاصات عليهم . . أما السادسة فسنطلقها على أنفسنا.

• في 15 تموز 1948 شنت القوات اليهودية هجوما واسع النطاق على مراكز الكتيبة الرابعة في باب الواد بقوة تقدر بلواء مشاة ولواء مدرع، قاصدة احتلال قرية يالو والهضاب المجاورة لها، ومهدت للهجوم بالقصف المدفعي لمدة أربع ساعات، حيث تمكنت القوة المعادية من احتلال بعض القرى المجاورة، من بينها قرية البرج. في يوم 16 تموز قام قائد الكتيبة الانجليزي الرائد ” لوكت ” بالهجوم على قرية البرج.

احتدمت المعركة وصب العدو نيرانه على المهاجمين من اتجاهات مختلفة. وخلال التقدم صاح سائق المدرعة الأولى: لقد أصبت . . لا أستطيع أن أرى . . يبدو أنني فقدت عيني، إذ كانت الشظايا قد اخترقت إحدى عينيه وأخذ الدم يتدفق من وجهه. فأجابه قائد السرية الملازم حمدان صبيح: ليس المهم أن ترى بعينيك . . اضغط على دواسة المحرك بقدمك بكل قوة وسق إلى الأمام. إلا أن المدرعة أصيبت بقذيفة مضادة للدروع وجرح الملازم حمدان، حيث استُخرج من جسمه في المستشفى، أكثر من مئة شظية ولكن كتبت له الحياة.

• في معركة الكرامة التي وقعت بتاريخ 21 آذار 1968 والتي لم يكن لسعادتك شرف المساهمة بها ولو بالكلام، لأنك كنت طفلا صغيرا تحبو على يديك. استمر القتال شرقي النهر لأكثر من ستة عشر ساعة، طلبت القوات الإسرائيلية خلالها لأول مرة في تاريخها، وقف إطلاق النار. إلا أن جلالة الملك حسين طيب الله ثراه رفض وقف إطلاق النار، طالما أن هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي النهر.

• كما ساهمت القوات الأردنية في حرب أكتوبر 1973 بلوائين مدرعين، إلى جانب القوات السورية والعراقية في الجولان. وها هي تقف هذه الأيام بكل قوة ويقظة، لتحمي حدود الأردن على مختلف واجهات الواجهات الحدودية، ضد الإرهابيين والمتسللين والطامعين، وحتى ضد العملاء المشككين بقدراتها ومهامها.

هذا جزء يسير مما قدمته القوات المسلحة الأردنية لفلسطين والأردن على السواء، منذ نهاية عقد الأربعينات الماضي وحتى الآن. فماذا قدمت يا سعادة النائب لفلسطين والأردن غير الكلام الفارغ، وإذكاء النعرات العصبية بين الأندية الرياضية في البلاد ؟

أنصحك بأن تستغل ذكاءك في ميدانك – ميدان التجارة – والبحث عن عطاءات لجيوش أجنبية، تقدم لها الأغذية تحت العنوان التجاري المعروف: ” الغاية تبرر الوسيلة “. بدلا من خطابات النشاز التي تنفث من خلالها فوق منبر وطني، يوفر لك الحماية من المساءلة والعقاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. والله يا باشا اشكرك جدا على سرد المفحم الحقيقة كفيت ووفيت

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى