كل الصيصان بناديق / علي الشريف

كل الصيصان بناديق
علي الشريف
اليوم فقط اريد ان اعتذر للدجاجة البلدية اريد ان اقبل عرفها الذابل المتغير لونه واليوم فقط اريد ان اقول لها اسفون يا جاجة.
دجاجتنا العزيزة
لم اكن ارغب بان اراك هائمة على وجهك في قفصك الممتد على طول السياج تارة تسرحين وتارة تمرحين وتارة اخرى تكدسين البيض ولا تجدين من يزيل همه من تحت ابطيك
اعذريني ايتها الدجاجة فانا لا قوة لي ولا حول انسان غارق في الوحل ولو كان بيدي لجعلتلك تضعين اللولب في وجه افات الزمان التي تسرق حتى طفولة الصيصان من تحتك فتعدمها لترفع السعر وتتخم الجيوب.
عزيزيتي الدجاجة قديما كنت شريكتنا في حوش الدار كان بيتك خم الدجاج وكان طعامنا هو طعامك فلا فرق وكنا نخاف عليك من نسمة الهواء و اذا شعرنا بان مزاجك ساء وتعكر زوجناك اجمل ديك في الحارة ليقضي منك وطرا ويعيد المكاكاة الى منقارك الجميل .
ولكننا اليوم بلا قوة ولا حيلة فانت اسيرة المزارع بلا ديك حتى اذا ما فقست اكلينيكيا صوص الانابيب نراه تائها مترحنا وانت تعتقدين انك قد غدوت اما يا لجهلك.
زمان يا جاجتنا كنت مهابة الجانب وكنا نحترم صوت زوجك كان لك حضور في بيتنا كحضور الابناء وكان خمك تقليدا في حوش الدار وكنا يا حبيبتي نستيقظ على صوت زوجك الذي كان يؤذن ببزوغ الفجر واليوم اصبحنا نستيقظ على صوت زامور الغار ورفع اسعار الكاز
زمان كان همك هو همنا تعبك هو تعبنا اذا ما امطرت وغلت الارض نحن ناكل وانت تاكلين واذا ما امحلت كنا نجوع وانت معنا تصومين كنت منا ومثلنا تنتظرين المطر وتنتظرين الوحل الجميل صحيح ان بيضك كان يقل لكن الاصح انك لم تهربي يوما من واجبك تجاهنا كنت تتعبين لاجلنا ورغم التعب كنت مؤمنة بالخم وبنا حتى لو نتفناك.
زمان كنا نتمدد مثلك في الخم نلتقط البيض من تحتك كانت ولادتك طبيعية ميسرة كان بيضك طازجا بلا سموم ولا هرمونات ولا مثبتات للحمل ناكل ونحمد وانت تبتسمين وترفعين الصوت منتشية عند كل بيضة مثل المراة التي عاد اليها زوجها بعد الغياب ووقفت بعد ليلتها الاولى على عتبة الدار وغرتها تقطر ماء فالزوج عاد.
كان عرفك جميلا طويلا براقا مائلا كغرة الفتاة الجامحة بلا مكياج ولا كوافير وكانت اظافرك مصبوغة بلون الارض بلا مناكير وكنت انت لا غيرك اذا جلست على اريكتك في الخم فانت تعرفين واجباتك تصونين البيت ولا تغادرين الا بامر الديك.
كنا نعرف انك دجاجة ولود تحمل الخير في احشائها وتحترم الديك اذا ما اطل تفتح له باب الخم وتعطيه صدر المكان واما اليوم فقد زال العرف ولون الاظافر ولسنا نعرف من يبيض نحن ام انت ام ان البيض مستورد يا مستورة.
اليوم ايضا تغير الذبح فالمسالخ تنهي الحياة بالالاف والنتافات اصبحت تعمل بسرعة البرق فلا تعرفين متى ينتفون ريشك وكيف ولا تدرين متى يكون موعد الذبح وكيف قديما كنا اذا اردنا الذبح نقول بسم الله الله اكبر واليوم تعددت الاقاويل وتعددت الاسباب والتهم وربما يتهمونك بديك من الحارة رغم انه مخصي.
اسفون يا دجاجة وسامحينا فالديوك الان مكانها الطناجر او الاقفاص للزينة فلم يعد بالحارة ديك ولم يعد في البيت خم حتى تتوالدين فيه فتنجبين الديكة ونحن في زمان ضعنا فيه بين المزارع وبين المطامع وبين لصوص البيض والديوك المخصية فلا انت تبيضين ولا انت تكاكين كل ما نعرفه يا دجاجة انك ولدت في المزارع وبيضك بيض المزارع وصيصانك بلا حول ولا قوة تبصم باظافرها الستة ولم يعد في كل حارتنا ديك يمكن ان يعيد الهيبة للخم .
عزيزتي الدجاجة
اشتقنا لصوت الصبح النقي الطاهر واشتقنا لرفرفة جناحيك واشتقنا للزبل كي يكون سمادا لارضنا او وقودا لحطبنا واشتقنا لصوت الديك الذي يعلن وقت النهار ووقت المساء ووقت العودة للخم ..
نحن اشتقنا للخم وللديك البلدي وللبيض البلدي فبيض المزارع لا اب له ولا ام وكل الصيصان يا مستورة بناديق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى