بلفور والتيس والنعجة والشاه
عبد الفتاح طوقان
التيس هو الذكر من المعزة، والجمع: تُيوسٌ، وأَتْياس، وأَتْيُسٌ وتِيَسَةٌ
•
والنعجة هي الأنثى من الضأن الغنم والجمع نِعاجٌ ونَعَجات، والعربُ تَكْني بالنعجة والشاة عن المرأَة، ويسمون الثَّوْرَ الوحْشِيَّ شاةً، وفي التاريخ شاه: مَلِكُ الفُرْسِ سَابِقا، كما شاه إيران.
اما بلفور في القاموس البريطاني فهو ماسح الغبار، او رافع بقايا الدقيق.
بلفور” رفع الغبار عن تشتت اليهود، ومسح بخطاب دقيق حق الشعب لقد المسكين صاحب الاضر الفلسطيني الذي ينطبق عليه المثل ” اللي انكب طحينه بالشوك، يصعب عليه لمه”.
واقصد ان بلفور، الذي يعرف بأنه “أخبث من واوي”، له وعد صدر في الثاني من نوفمبر ١٩١٧، ويصادف عام ٢٠١٧ مئوية الوعد من بريطانيا التي لا تملك حق التصرف الي اليهود اللذين لا يستحقون الأرض. تصرفت بريطانيا عملا بالمثل ” من كيس غيرك يا مذري ذري”.
ولكن التساؤل عن أي ارض يتحدثون وما هي وجهة نظر بريطانيا واليهود؟
اليهود، حسب نظريتهم يتحدثون عن فلسطين التي كانت حدودها غير واضحة، من بيروت الي القدس عبر اللوح المار بنهر الأردن، هكذا كان التعريف حينذاك، والتي تعني لهم فلسطين والأردن معا باعتبار ان الأردن هي فلسطين.
اجتمع ٢٧٠٠ في اوبرا لندن ١٩١٧من شهر نوفمبر، و امتلأت الطرق المؤدية الي كنجزتاون بالقرب من شارع ستراند بجماهير أتت لأجل الاستماع الي الوعد في يوم ماطر يحملون المظلات بينما في داخل احد القاعات مجموعات تستمع الي الوزير الليبرالي آرثر جيمس بلفور، وبرفقته هيربرت صموئيل نائب وزير الخارجية البريطانية ،روبرت سيسيل سكرتير وزير الحرب البريطاني، مارك سايكس ( الذي وضع اتفاقية سايكس بيكو)، رئيس رابطة اليهود البريطانيين غير المعلن اللورد روتشليد، و معهم اهم اثنان من قادة الحرب البريطانيين الصهيونيين حاييم وايزمن و ، ناحيم سوكولوف ، و ما ان اغلق باب القاعة و الجمع مبتهج حتي بادر اللورد روتشيلد قائلا :” ونحن نلتقي في مناسبة هي الأكثر أهمية في تاريخ اليهودية على مدى السنوات الثمانمائة الماضية نحن هنا لنشكر حكومة ملكة علي إعلانها و التزامها والذي هو ملحمة تاريخية.” كان اللورد روتشيلد يقصد وعد بلفور. و أضاف روتشيلد : “وللمرة الأولى منذ حالة التشتت، حصل الشعب اليهودي على وضعه الصحيح بإعلان إحدى القوى العظمى احقيته بفلسطين *”.(كتاب وعد بلفور، أساس الخلاف العربي الإسرائيلي للمؤرخ جوناثان شينر الصادر في عام ٢٠١٢).
الوعد صدر وكان الحديث عن عدم المساس بالحقوق الدينية او المدنية لغير اليهود ممن يعيشون على ارض فلسطين. كانت تلك نبوّة تحمل النوايا الطيبة ولكنها لم تحدث. (المصدر السابق).
نوفمبر ٢٠١٧، وفي الثاني منه ستقام المئوية الاحتفالية في قاعة ألبرت هول في العاصمة البريطانية، ستتحدث عن فلسطين بمساحتها وكيانها و جغرافيتها عام ١٩١٧، وقت الوعد و ليس ما يعتقد به العرب من انها فلسطين المحتلة الان سواء مدن مثل يافا و حيفا من أيام ١٩٤٨ أو الضفة و غزة و جنين و غيرها من المدن الفلسطينية لتي سقطت تحت الاحتلال عام ١٩٦٧. انهم يتحدثون عن الأردن الحالية وفلسطين معا.
لذلك هناك حديث عن وطن بديل ونظام بديل في الأردن.
هناك تيارات متشددة في إسرائيل تري ان الوعد غير مكتمل و ان بريطانيا اخلت بوعدها اذ ان إسرائيل الحالية منقوصة بينما كان يجب ان تضم إسرائيل و الأردن معا، و اخرين اقل تشددا يرون ان بريطانيا وعدت إسرائيل بارض و سرقت النصف الاخر من الأرض بالتعاون مع الأمير عبد الله القادم من الحجاز الي منطقة نهر الأردن و اقامت عليها امارة الاردن، لذا يجب ان تعود الأرض الي إسرائيل لتقيم عليها إسرائيل الحقيقية ، و طرف ثالث يري يجب ان تزاح الأردن بمجملها كيانا و نظاما ويعاد تعديل الحدود و تقام عليها فلسطين و تندرج في كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية.
١٩١٧ كان عام انتهاء الحكم العثماني علي يد البريطانيين اللذين اعتبرهم البعض محررين والاتراك محتلين، وكتبت جريدة العرب العراقية في افتتاحية العدد الأول في ٤ يوليو ١٩١٧ تصف الأتراك بأنهم “أبناء يأجوج ومأجوج يريدون ملاشاة العرب، هذا العنصر الطيب الذي خدم في ماضي حياته العلم والعمران والألفة والبشر خدمة لا تنسى…”. حيث كان يتولّى تحريرها رجل الدين العالم أنستاس الكرملي، وهو عراقي مسيحي من أصول لبنانية. تحولت عام ١٩٢٠ الي جريدة العراق.
وفي جانب اخر “كانت معركة القدس ” تلقي بظلالها ، او ما تسميه بريطانيا “عملية القدس”، والتي انتهت باستسلام القدس واحتلال الإمبراطورية البريطانية لفلسطين والقدس التي سلمت للبريطانيين في ٣٠ ديسمبر ١٩١٧.
في تلك الأجواء جآء الوعد، و بعدها ثوره العرب الاولي ثم محادثات الشريف الحسين مكماهون ، اتفاقية سايكس بيكو، الاتفاقات السرية بين حكام من العرب و البريطانيين و رجل المخابرات البريطانية لورانس و تجنيده لحكام عرب ليكونوا عملاء لبريطانيا ، الي حرب ١٩٤٨ و الاسلحة الفاسدة ، حرب ١٩٥٦، ١٩٦٧الهزيمة ، ١٩٧٣الانتصار ، اتفاقية كامب ديفيد ، اتفاقية اوسلوا ، اتفاقية واي عربة في تنازلات و تراجع عربي و تخاذل ، استسلام .
٢ نوفمبر ١٩١٧ سيكون علامة فارقة في تاريخ العلاقة البريطانية الصهيونية التي تحتفل بمئوية وعد بلفور، في الوقت ان العرب مشغولون بقصة رجل أعمال عربي أقدم على شراء تيس من فصيلة نادرة جدا من أحد تجّار الماشية المشهورين بسوق الماشية بقيمة أربعة مليون دولار. ل يجرؤ احد علي مقاطعة بريطانيا او الاحتجاج علي تصرف رئيسة وزرائها. الكل ينتهج سياسة “النعاج”.
ا
في بروتكولات الاحتفال بالمئوية لضياع فلسطين، وتأسيس إسرائيل في لندن، تم توجيه الدعوات الي كل السفراء وخصوصا السفراء العرب اللذين يعيشون حالة ” في القبور وبتهاوشوا”، وبعضهم مثل النعجة سيلبى الطلب بدون مجادلة أو معارضة.
حفيد بلفور، يمتلك أكبر شركة مقاولات بريطانية تسيدت مشاريع كبري في العالم العربي لسنوات، ولا تزال، وأسم بلفور “المقاول” يرتفع فوق معظم البلدان التي اقامت والتي لم تقم علاقات مع ” طفلة بلفور” غير الشرعية، اسرائيل.
من غامض علمه فقد اختلطت الامور بين مئوية “بلفور” والنعاج وبقت الأتياس أكثر تياسة مثل بعر الجمال، تسير الي الخلف.
شاه إيران، عام ١٩٧٩و رغم تخصيصه ملايين الدولارات لحرسه الخاص من السافاك ، والذي كان يعتقد انه محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، باتصال من السفير الأمريكي، غادر ايران وذبحت بقايا الشاه.
الفرق كبير بين تاريخ خطه بلفور ووعده وبين بعض خطط حكام يدعون انهم عرب، بين رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي صرحت أن بريطانيا ستحتفل بفخر بالذكرى المئوية لصدور “وعد بلفور”، الذي وضع قاعدة لتأسيس دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وبين سياسة نعجة عربية تنتظر نتيجة قرار “الحلال والحرام” بعد استنساخ النعجة “دولي”، التي هي أول حيوان ثدي يتم استنساخه بنجاح من خلية جسمية، وفرق أكبر بين الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان والتيس المليوني.
فلسطين عربية
aftoukan@hotmail.com
