الموصل – تلعفر: واشنطن تسابق الزمن وطهران تفرض أجندتها و”داعش” ينهار

سواليف

أقفلت معركة الموصل في ختام أسبوعها الثاني على تطورات عسكرية كبيرة على الأرض، كان أبرزها اقتحام مدينة تلكيف شمال المدينة واستكمال السيطرة على بلدة الشورة جنوباً، ثم التوغل داخل قرى بعشيقة شرقاً، وأخيراً بمعارك ساخنة، تخاض لأول مرة منذ بدء العملية العسكرية، في المحور الغربي للموصل. وهذه المعارك أشعلتها مليشيات “الحشد الشعبي” التي ترافقها وحدات صغيرة من الحرس الثوري الإيراني وبدعم جوي اقتصر على الطيران العراقي. وتسعى المليشيات لاستكمال مهمة ما اصطلح عليه “الطريق إلى تلعفر”. والهدف يتمثل بالسيطرة على 31 قرية وبلدة ومدينة، من جنوب الموصل وحتى غربها، للوصول إلى مشارف تلعفر بواقع 66 كيلومتراً. وستحاول المليشيات استعادة مطار المدينة لأن من شأن ذلك تتويج عملية السيطرة عليها بشكل كامل.
وشهدت المعارك، أمس الإثنين، استعادة القوات العراقية السيطرة على مناطق عدة جنوب وشرق وشمال الموصل وسط انهيار سريع، وغامض بنفس الوقت، في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وعللت مصادر عسكرية عراقية أسباب هذا الانهيار بالعمليات التي ينفذها الطيران الأميركي المكثف الذي شن أكثر من 90 ضربة جوية خلال سبع ساعات استهدفت مواقع “التنظيم” وخطوط دفاعاته في المحورين الشمالي والشرقي.

وأكد معاون قائد المحور الجنوبي من عمليات الموصل، العميد أحمد حسين الربيعي، لـ”العربي الجديد”، أنه تم “تحرير مناطق بازوايا شمال شرق الموصل وطبرق وطهراوة جنوب شرق الموصل، ونجموم وتل اليابس شمالها، والسروج جنوبها، فضلاً عن اقتحام أول أحياء قضاء تلكيف مع استمرار المعارك حتى مساء أمس، واستكمال السيطرة على بلدة الشورة جنوب الموصل وإحكام قوات البشمركة السيطرة على آخر مناطق مدينة بعشيقة شرق الموصل”، بحسب تأكيده. وبين أنه “بذلك تم الوصول إلى مشارف الموصل والمرحلة الثانية من الهجوم بدأت فعلياً”، متوقعاً أن “تكون معارك وحرب شوارع غير سهلة في المرحلة الثانية”، لكنه استدرك قائلاً “بالنهاية النتيجة محسومة لصالح العراقيين”، وفقاً لقوله.

وأكدت مصادر عسكرية عراقية أخرى أن “الطيران الأميركي شن أعنف هجماته على الموصل منذ بدء المعارك”. وذكر ضابط بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي لـ”العربي الجديد”، أن “بعض المدن دخل إليها الجيش والبشمركة بدون قتال وهو ما يؤشر إلى أن انهيار تنظيم داعش ناتج عن القصف الجوي المكثف”. وبيّن أن “واشنطن تحاول أن تحقق هدف اقتحام الموصل على الأقل قبل الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري”.

في السياق نفسه، علّق ضابط عراقي رفيع على إعلان وزارة الدفاع في بغداد، مساء الإثنين، بالقول إن قواتها وصلت إلى مشارف الموصل، مؤكدا أن المعلومات “حقيقية وليست دعائية”. وأوضح آمر لواء الدروع بالفرقة التاسعة بالجيش العراقي المرابطة قرب قرية بازوايا شمال الموصل، العقيد الركن ماجد السوداني، لـ”العربي الجديد” أنه “بات بالإمكان قصف الموصل بالدبابات ومدافع الهاون”. وأكد أن “جهاز مكافحة الإرهاب يقف على مشارف حي كوكجلي شرق الموصل والذي يؤدي إلى الساحل الأيسر للمدينة”. وأضاف أن “القوات العراقية والبشمركة تقف على مشارف الموصل بعد استعادة قرية بازوايا شمال المدينة وعلى مسافة كيلومتر واحد فقط، في حين لا تزال المحاور الجنوبية والغربية متأخرة أصلاً لأسباب مختلفة”، رافضاً الإفصاح عنها. وتابع أن المسافة عن حي كوكجلي تبلغ نحو كيلومتر واحد، غير أن هذا الحي أصلاً يعتبر من المناطق قيد الإنشاء وخارج حدود بلدية الموصل وتم وضعه ضمن خطة تطوير الموصل قبل اقتحام “داعش” لها عام 2014. ولفت إلى أن “داعش” يحاول حالياً جر القوات إلى داخل مناطق البناء بعيداً عن الأراضي الزراعية حول الموصل للتخلص من ضغط الطيران.

لا أثر لقتلى “داعش”
ومع كل معركة من معارك استعادة المدن العراقية من تنظيم “داعش”، يبقى السؤال المتجدد بلا إجابة، وهو يتعلق بعدم وجود أي جثث أو أشلاء لمقاتلي التنظيم. وعلى الرغم من استعادة السيطرة على 91 قرية وبلدة بمحيط الموصل، إلا أنه ولغاية الآن، لم تنشر أي من الفضائيات المرخصة بمرافقة القوات المشتركة، وعددها 29 فضائية، إضافة إلى سبع وكالات عالمية ومحلية وعربية، أي صورة لجثث مقاتلي “تنظيم الدولة”. وعزا أحد مقاتلي البشمركة، فراس الطالباني، ذلك إلى أن التنظيم بات ينسحب بسرعة مع اشتداد القصف فهو يريد الحفاظ على أرواح عناصره، كما أن من يتم قتله بالقصف يتم سحبه ونقله أو دفنه من قبل رفاقه. وأضاف أنه بكل حال، خسائر “داعش” البشرية ليست كبيرة مقارنة بمعركة الموصل، وهذا كله بسبب الانسحابات المتكررة له التي بات يطلق عليها مصطلح “انحياز مقاتلي الخلافة”.

في غضون ذلك، بدا محور جنوب غربي الموصل الذي شهد اشتباكات عنيفة بين “داعش” ومليشيات “الحشد”، الأكثر سخونة بعد التفاف الآلاف من عناصر المليشيات عبر المحور الجنوبي إلى قرى وبلدات مختلفة تهدف إلى الوصول إلى مدينة تلعفر، وسط دعم جوي من الطيران العراقي، تحديداً بواسطة مقاتلات السوخوي الروسية. وقالت مصادر مقربة من مليشيات “الحشد” إن نحو 16 ألفاً من عناصرها، والذين ينتمون لمختلف الفصائل، أكملوا تجمعهم، في حين أن هناك سبعة آلاف آخرين من المقرر أن يصلوا خلال يوم أو اثنين للمشاركة في الهجوم على تلعفر. وأكدت المصادر ذاتها أن نحو 100 عنصر من الحرس الثوري الإيراني يشاركون في الهجوم مع تلك المليشيات، تحت مسمى مستشارين.

في هذا الإطار، علق القيادي بمجلس العشائر المنتفضة ضد “داعش”، محمد العبيدي، قائلاً إن “تلعفر مهددة بكوارث إنسانية كبيرة وانتهاكات على يد المليشيات”، مبيناً أن “هدف إيران الأول ليست الموصل بل تلعفر لتأمين طريقها البري المنشود إلى سورية”. وأضاف “نستغرب من رفض (رئيس الوزراء حيدر) العبادي طلب العشائر بتسليحها من أجل تحرير تلعفر والمدن المجاورة لها، وبدلاً من ذلك يسلح المليشيات للدخول إلى تلعفر مع الإيرانيين”، مؤكداً أنه شاهد عناصر إيرانية برفقة مليشيات “الخراساني” و”حزب الله” العراقيتين، على تخوم بلدة الحضر.

في هذا السياق، كشف مسؤول عسكري عراقي رفيع لـ”العربي الجديد”، عن أن إيران ترمي بثقلها في نينوى وبتلعفر تحديداً، وليس في الموصل. وتحدث من بغداد لـ”العربي الجديد” قائلاً إن “إيران تسعى بجد لإعادة الطريق البرية مع سورية عبر العراق بأي شكل من الأشكال، وأن الموصل لا تعنيها بشيء بل على العكس، إن تأخر أو فشل الجيش والتحالف الدولي في تحرير الموصل يعني أنها تتفرغ تماما لتلعفر. وتابع أن “قصة تلعفر أنها تقع في منطقة مناسبة جداً لإيران، وتنفع أن تكون طريقاً بديلة عن طريق الأنبار غرب العراق المغلقة منذ ثلاث سنوات، والتي تنتهي أيضاً بمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في سورية”. ولفت إلى أن الطريق الجديدة التي تحاول إيران تعبيدها، بواسطة آلاف من عناصر المليشيات، تُعتبر مثالية، فهي تمر بمناطق تخضع لسيطرة البشمركة التابعة لحزب الاتحاد بزعامة الرئيس العراقي السابق، جلال الطالباني، وليس البشمركة التابعة لرئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، أو الحزب الديمقراطي، بحسب تأكيده. كما تمر بمناطق أخرى تخضع لسيطرة حزب العمال الكردستاني، أو أنه يمتلك نفوذاً فيها مثل كلار وأمرلي وطوزخورماتو، فضلاً عن مناطق تسيطر عليها مليشيات “الحشد الشعبي”، مثل البشير، أو مناطق الشرطة الاتحادية التي تشكل مليشيات بدر قوامها، مثل مدن الحضر والشورة وبلدات صغيرة أخرى، بحسب قول المسؤول العسكري نفسه.

وأضاف المسؤول العسكري العراقي أن الطريق سالكة ومعبدة وبطول يبلغ 389 كيلومتراً، وهي أقل مسافة من طريق الأنبار السابقة، المغلقة منذ ثلاث سنوات، والبالغ طولها 523 كيلومتراً. كما أن طريق تلعفر أكثر أمناً بالنسبة للإيرانيين.

وتبدأ الطريق عبر بلدة قصر شيرين الإيرانية الحدودية مع العراق لتدخل عبر محافظة ديالى شرق العراق وتحديداً مدينة كلار. وتستمر الطريق بعدها إلى بلدات كفري وطوزخورماتو ثم إلى سلسلة جبال حمرين، وصولاً إلى تلول الباج في محافظة نينوى، ثم الحضر ومنها إلى عين شمس، شمال غرب تلعفر التي تبعد 60 كيلومتراً عن أولى المدن السورية.

في هذا الصدد، قال أحد مقاتلي “حشد نينوى”، سعيد العفري، لـ”العربي لجديد” إن “المليشيات مارست ضغطاً على رئيس الوزراء العراقي لرفض طلب تقدمنا به في 11 يونيو/حزيران الماضي بأن تكون عملية تحرير مدينة تلعفر وضواحيها من قبل السكان أنفسهم لخصوصية المدينة”. وأضاف “لقد قلنا للعبادي: نستطيع أن نحرر مطار تلعفر بساعات ونتخذه مقراً لنا ونبدأ بقضم الأرض التي يسيطر عليها داعش بشكل متتال، لكنه رفض ذلك، كما رفض تسليحنا في حين يغدق المال والسلاح على مليشيات الحشد”، وفق قول العفري.

” وتدعم إيران مشروع الحكومة العراقية بالنسبة لمستقبل الموصل بعد التحرير والقاضي بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العاشر من يونيو/حزيران 2014، وهو يوم سقوطها بيد “داعش”، وذلك من خلال إعادة الجيش العراقي ورفض الحديث عن أي عمليات تقسيم للمحافظة أو تحويلها إلى إقليم مستقل، مثل إقليم كردستان العراق. وهو ما ترفضه كلٌّ من أربيل وقوى سنية مختلفة تؤكد أن الهدف من مشروع بغداد يتمثل بخدمة مصالح إيرانية في مد نفوذها ومليشياتها في مناطق البلاد كافة.

وعلى مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية، أصدرت الحكومة العراقية والقيادة العسكرية لعمليات الموصل، فضلاً عن وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب والبرلمان، أكثر 13 بياناً صحافياً، وعقدت تسعة مؤتمرات صحافية للحديث عن معركة الموصل، لكن لم تتطرق كلها لمصير مليون ونصف مليون مدني. وقال النائب في البرلمان العراقي عن الموصل، محمد الجاف، لـ”العربي الجديد” إن “التجاهل مستمر والحكومة والتحالف لا يتحدثان عن أي شيء يخص المدنيين”. وأضاف “كيف لو تم فعلاً اقتحام المدينة؟ لقد حدثت حرب شوارع ومعارك وتفجيرات! ما مصير الناس هناك؟ الجميع يتجنب الإجابة عن تلك الأسئلة. واشنطن تريد نصرا قبل الانتخابات بأي شكل والعبادي وإيران أيضاً”، بحسب تعبير البرلماني العراقي. وأضاف أن القتلى والجرحى من المدنيين يتساقطون ولا معلومات حول أعدادهم بسبب قطع تنظيم “داعش” الإنترنت والهواتف عن السكان بعد تفجيره أبراج البث الداخلية في المدينة.

إلى ذلك، أكد ضابط بالجيش العراقي لـ”العربي الجديد” أن “المرحلة الثانية من الهجوم لم تتضمن فتح أية ممرات آمنة أو معابر للمدنيين”، مبيناً، في اتصال هاتفي، أن “هناك آمالا بانسحاب تنظيم داعش من المدينة، لذلك تم وضع فصول عدة للمرحلة الثانية من الهجوم، وأن المحور الغربي مفتوح وبإمكانهم أن يكفوا العالم شرهم ويعودوا إلى سورية”، وفق قوله.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى