الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة / موسى العدوان

الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة

في عام 1980 طرح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زيبجنيو بريجنسكي تصورا يقضي، بأن على أمريكا إشعال المزيد من الحروب، من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، خلافا لما قررته اتفاقية سايكس – بيكو. جاء ذلك في مقال له نشر في مجلة جلوبال ريسيرج بعنوان ” الهيمنة قديمة قدم التاريخ “.
ترافق طرح بريجنسكي هذا، مع المشروع الذي قدمه المفكر الصهيوني برنارد لويس إلى الإدارة الأمريكية، والذي تضمن تقسيم الشرق الأوسط وفق العرق والدين. وفي عام 1993 وافق الكونجرس الأمريكي على ذلك المشروع، وتم إدراجه في برنامج السياسة الأمريكية للسنوات اللاحقة.

سوق الإعلام الغربي هذا المصطلح للعالم بدلا من المصطلح القديم ” الشرق الأوسط الكبير “. وهو المشروع الذي يهدف إلى خلق الفوضى والعنف، وعدم الاستقرار في دول المنطقة، وبما يؤدي إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وفقا للمصالح الأمريكية الإستراتيجية.

وفي مؤتمر صحفي وصفت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، أن ما جري في لبنان خلال العقد الأول من هذا القرن من اعتداءات إسرائيلية وتدمير للبنية التحتية، هو بمثابة ( آلام ولادة الشرق الأوسط الجديد ) ثم أضافت قائلة : ( ومهما فعلنا فإننا متأكدون بأننا ندفع نحو شرق أوسط جديد ولا عودة إلى القديم ). وهذا ما يتساوق مع دعوة بريجنسكي منذ الحادي عشر من سبتمبر، في إعادة تشكيل الوطن العربي على شكل كانتونات عرقية ودينية وطائفية، بما يسمح للكيان الصهيوني أن يتحكم بدول المنطقة.
يقول الوزير الصهيوني ناتان شارانسكي والملقب بنبي الصهيونية : ” أن الإسلام حركة إرهابية لا تهدد إسرائيل فقط، وإنما تهدد العالم الغربي بكامله “. ويطالب أمريكا بأن تدفع المنطقة إلى الاقتتال فيما بينها كطوائف، وزرع الفتنة بين الدول العربية. ولهذا أظهرت أمريكا رضاها عن الربيع العربي وتحالفت مع بعض القوى والجماعات في المنطقة للقيام بذلك الدور نيابة عنها.

مقالات ذات صلة

وعند العودة إلى عام 1991 حيث انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، نجد بأن الأخيرة راحت تبحث عن عدو جديد، لأنها لا تستطيع الحياة بدون عدو تتعامل معه وتتحداه. فتوجهت أمريكا بتأثير من الفكر الصهيوني إلى معاداة الدين الإسلامي، باعتباره فلسفة حياة يعادي الفكر الغربي.

وعلى ضوء ذلك ظهر التطاول الأمريكي على الإسلام فيما بعد، من خلال محاولة هدم العقيدة الدينية لملايين المسلمين في العالم، وإلغاء بعض آيات القرآن ذات المساس باليهود أوالحث على الجهاد، أو من خلال إصدار قرآن أمريكي بفكر صهيوني، أسمته ” فرقان الحق ” وهو في الواقع بعيد عن الحق. وعندما عجزت في تنفيذ هدفها والمساس بالدين الإسلامي، اتجهت إلى هدم المثل والقيم والموروث الحضاري للأمة.

استحدث ناتان شارنسكي مصطلح ” الفوضى الخلاقة ” لكي يتم التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، بما يتناسب ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وتتمحور فكرته حول نقطة هامة هي : ” أن من يقدر على صنع الفوضى ومن ثم إدارتها، سيصل إلى حالة جديدة تحقق طموحاته “. وبناء على ذلك طرحت كوندليزا رايس مبادرة ” الشرق الأوسط الجديد ” في تل أبيب لأول مرة بصورة رسمية في عام 2006، لتحقيق الأهداف التالية :

1. إنشاء أنظمة سياسية ضعيفة تبدو للوهلة الأولى أنها ديمقراطية، ولكنها تدين بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى لإضعاف الدول العربية وتسهيل السيطرة عليها، لكي تكون إسرائيل هي القوة الإقليمية العظمى في المنطقة.

2. تفعيل العصبيات وتغذيتها بهدف ضرب الدولة بجميع مؤسساتها، وجعل الولاءات لأشخاص وقبائل وطوائف ومذاهب وأديان، بدل أن يكون الولاء للوطن أولا وأخيرا.

3. ضرب الطوائف الإسلامية مع بعضها البعض وتمزيق الإسلام من الداخل، ومن ثم ضرب الإسلام بالمسيحية والقوميات الأخرى، لكي تحقق الولايات المتحدة الأمريكية عملية المشاغلة، وخلق الأزمات الداخلية وإدامة هيمنتها على المنطقة.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية، تقوم اليوم بتنفيذ هذا المخطط الخبيث، الذي اشترك في رسمه بصورة منفردة، الثلاثي الصهيوني زيبجنيو بريجنسكي، برنارد لويس، وناتان شارانسكي، والذي يهدف إلى لتفتيت الدول العربية، وتحويلها إلى دويلات صغيرة متناحرة، تسمح لإسرائيل بالتوسع وبناء دولتها الكبرى من الفرات إلى النيل، في غياب أي خطة عربية مضادة تحبط هذا المشروع الخطير.
التاريخ : 16 / 11 / 2016

المرجع : رؤوس الشر العشرة / مجدي كامل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى