إشتراكيٌّ في وول ستريت / يوسف القرشي

إشتراكيٌّ في وول ستريت
ليس مألوفاً في السياسة الأمريكية أن نرى مرشحاً رئاسياً يتبني الفكر الاشتراكي ولو حتى على الصعيد الاصلاحات الاقتصادية ، فمنذ يوجين ديبس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي في أوائل القرن الماضي ، لم يحظ الاشتراكيون بأي تمثيل يذكر في المجالس التشريعية أو الرقابية في الولايات المتحدة ، ولربما يرجع هذا إلى سببين أساسيين ؛ أولهما طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي الابن البكر للثورة البلشفية والممثل للاشتراكية العالمية ، حتى مع كونه لينينياً ثم ستالينياً حتى النخاع ، والسبب الثاني وهو باعتقادي الأشد تأثيراً ؛ مصادمة المبادئ الاشتراكية للحلم الأمريكي ، وهو الاسم التسويقي للقيم الرأسمالية الغربية بصورتها المطلقة ، حيث صوّرت أمريكا على أنها بلاد الأحلام والفرص ، تلك التي يستطيع فيها شاب أسود من ضواحي شيكاغو أو ينافس مليونيراً أبيض من سلالة سياسية عريقة بل ويفوز عليه في انتخابات الرئاسة ليكون الرئيس الأمريكي الأول من أصول أفريقية .

وافقْ ذلك أو خالفْه ، تبقى هذه هي الصورة التي بنيت عن أمريكا سواءا في عقول سكانها ، أو حتى في عقول المهاجرين إليها من شتى البلاد ، ولذلك ستكون الاشتراكية بطبيعة الحال مضاداً طبيعياً لهذا الحلم وحالميه ، فالتوزيع العادل للثروات ، و رفع الضرائب على الأغنياء ، ومساعدة الشركات الآيلة للسقوط لطالما اعتبر في الثقافة الأمريكية العامة قيماً قاتلة للسوق ، ومخالفة لمبدأ الحريات الفردية ، التي تحمل الأفراد مسؤوليات أفعالهم السياسية والاقتصادية .

ومع كل هذا المجهود المبذول لترسيخ دعائم الرأسمالية في أمريكا ، تجد أن مرشحاً اشتراكياً مستقلاً مثل برني ساندرز بدأ يتصدر بعض الاستبيانات ، ويأخذ مساحة شاسعة من التغطية الإعلامية ، بل ويتوقع أن يكون المنافس الرئيسي لكلينتون في سباق الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ، مما يعطينا عدداً من المؤشرات أهمها تغير واضح في بنية القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي الذي لم يكن يختلف مبدئياً مع الجمهوريين على صعيد السوق الحر .

والتغير الأهم هو ذلك الحادث في ثقافة الشعب الأمريكي ، الذي يبدو أنه أصبح أقل إيماناً بحلمه المستحيل ، وبدأ يرجع إلى أرض الواقع ، لينظر إلى مئات آلاف المشردين في الشوارع ، والملايين ممن فقدوا بيوتهم للرهن ، والشركات الصغيرة التي تعاني الأمرين من تغول حيتان السوق الأمريكي ، فضلاً عن تضخم هائل و ثقافة استهلاكية لم تعد تليق بشعب يراعي ظروفه .

كل هذا وغيره يجعلنا نتساءل ؛ هل يمكن لاشتراكي أن ينجح في عقر دار وول ستريت ونازداك ؟ لربما نكون هنا في العالم العربي بعيدين جغرافياً عن إجابة هذا السؤال ، لكننا بكل تأكيد من أوائل الدول التي ستشعر بوزن الرئيس الجديد ، فهل سوف نسمع قريباً بأحزابنا الاشتراكية جالسة على مائدة واحدة مع الرئيس الأمريكي ؟

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى