الضحية لا تعتذر

الضحية لا تعتذر
د. محمد شواقفة

لن يفيد أن نواصل الحديث بنفس الطريقة و نفس الاسلوب و نتوقع أن نحصل على نتيجة مختلفة … فهناك جيش من المطبلين و المزمرين – و لن نقول السحيجة – لما لها من مغزى سياسي يقف بالمرصاد … فإياك أن تنتقد ما يقترحه فلان أو علان و لو ظهر على شاشات الفضائيات معتذرا و معترفا بالخطأ و التقصير …. و ليس الأمر في حقيقته أن توجيه النصح أو اللوم أو النقد لأي إجراءات تتخذها الحكومة قد يصل لكونه خطيئة … و لكنه واجب … فلا تردعنا الكلمات المنمقة و لا دموع التماسيح … منذ البداية تعاملتم مع هذا الملف بطريقة غير مقنعة … و بدأ تصاعد الاصابات من صفر مطلق ليناهز المئتين خلال اسبوعين … أربأ بنفسي عن التعليق على هذا الفشل الذريع و التخبط المريع و يذهلني أن كل ذلك يتم تصويره و اخراجه بأنه نتيجة سوء تقدير من المواطن و جهل و ربما غباء …. لكن لم لا ننظر للأمر بأنه نتيجة حتمية لسوء ادارة الازمة و فشل في التخطيط و التنفيذ … فلا تنتظروا من المواطنين اعتذارا و أسفا !!!
أليس فشلا أن نتوقع أن الضحايا من الناس هم من يتحملون اللوم لأنهم لم يعرفوا طبيعة المرض و لم يدركوا خطورته …. أليس المفروض أن تتصدر أولويات الحكومة و أجهزتها وضع خطة محكمة لحماية الناس جميعا … مصابين أو معرضين للاصابة من خطر انتشار العدوى…. ” الضحية لا تعتذر أبدا ”
أليس فشلا أن يمر عبر منافذ الحدود حاملين للفيروس رغم التأكيدات و التطمينات بأن حدودنا مغلقة و لا تستطيع أن تجتازها ذبابة … ليكتشف الناس أنه لربما بينهم قنابل فيروسية موقوته في كل مكان … و تطالبونهم بالاعتراف بالتقصير و الاعتذار عن جرم لم يقترفوه . و ألا يعتبر فشلا ذريعا أن تكتشف الحكومة بؤرة للانتشار و تبدأ بإخبارنا بالاصابات قطرة قطرة … كل يوم أربه ..خمسة و آخرها ست و عشرون …. أليس الحري بها أن تبادر في لحظتها و تحجر كل من يشتبه بإصابته أو من خالطهم … لماذا انتظرت الحكومة وأجهزتها حتى تضاعف العدد و انتشر و لا نعلم كم و الى اين … و تظهر بكل قوتها توجه اللوم الصريح بأن الشعب لم يلتزم …. هذه مغالطة فيها تجن و ظلم كبير … أنتم سمحتم بتهاونكم و تراخيكم بأن ينتشر الفيروس بين الناس و الآن تذرفون الدمع السخي تارة و تلوحون بالتهديد تارة أخرى بأن الشعب هو مصدر المشكلة و حله بيده لا غير …. و تطالبونه بأن يقدم الاعتذار و الاسف … يا للاسف !!
أليس فشلا أن ترفع حظرا عن مناطق تفشى فيها الوباء و انتشر و حالات جديدة تظهر كل يوم في بقعة جديدة على امتداد الوطن … لا نقول ذلك لغرض الانتقاد و النيل من منجزاتكم التي لا استطيع أن أراها …ليس جحودا و نكرانا و لكنه صدق و عدم مواربة و رفض للنفاق و المداهنة …. ليس مهما أن أكيل كلمات المديح للحكومة و طاقمها و كل من يساندها فذلك فعلا لا يفيد و لا يزيد و لكن الأهم أن يكون هناك اجراءات حقيقية على الأرض تحصر المصابين و تعزلهم و تحمي بقية المواطنين دون أن تؤنبهم و تقرعهم و تعذبهم…. و لربما هذه الخطوة تأخرت كثيرا و لكنها الحل الأوحد الذي يؤمن و يدعو إليه الخبراء و العاقلون … و لكنها بالتأكيد ليست باعتذار الناس عما بدر منهم …
إذا طبقت الحكومة هذه الاجراءات الحاسمة و نفذت عملية التقصي و حصر الاصابات و عزلها عندها سأكون من أول المصفقين … و عندما يطل علينا أي كان من الحكومة ليبشرنا بأنهم يعلمون أين يكمن الخلل و كيف عالجوه و ما هي النتائج … و أن هناك أمل في غد فيه صدق و شفافية …. دون أن يرهقوننا بقفشاتهم الاعلامية المثيرة و ابتساماتهم الصفراء المقيته… عندها سنحتفل سويا ….رغم ان هذا أمر جاد لكننا لا ننسى أنه واجبهم قبل أن نشكرهم عليه.
و لأجلك يا شعبنا العاقل و إن وجد في ظهرانيكم بعض الاغبياء من المستهترين …و لن نعتذر عن هذا ..لأنه طبيعي في كل المجتمعات … لا تعتقد أبدا أنك سبب المشكلة … و لا تشعر بالذنب لأن الحكومة لا تستطيع أن تحميك …. لكن عليك أن تعرف أنك الجزء الأهم في حماية نفسك و أهلك و بيتك و إنقاذ ما يمكن إنقاذه …. إلتزموا بيوتكم لأن الخطر الذي وصلكم رغما عنكم جاء نتيجة عدم فعالية الحكومة في التعامل مع الموضوع …. التزموا بيوتكم لأنكم يجب أن لا تعتمدوا أن ما تفعله الحكومات فعلا يكفي لحمايتكم …. إلتزموا بيوتكم … لأنكم تعرفون الله و هو قادر على أن يزيح الغمة و يكشف الأذى و يفرج الهم …. نصيحة خالصة لوجه الله … التزامكم بيوتكم درءا للخطر أكبره و أصغره …فلا تفوتوا هذه الفرصة لأجل بضع أرغفة أو سلة خضروات ….
التزموا بيوتكم ليس عقابا لكم على ذنب لم تقترفوه …. التزموا بيوتكم لعل و عسى ان تستطيع فرق التقصي و المتابعة أن تقوم بعملها بيسر و سلاسة و بسرعة رغم أن هذه الخطوة تأخرت كثيرا … و لكن أن تصل متأخرا أفضل من عدم الوصول نهائيا ….إلتزموا بيوتكم … فكل العالم في كل مكان يعيش نفس الظروف و ربما أسوأ … فلا تعتقدوا انكم لوحدكم في هذا … ” نعتذر لكم …نعمل لأجلكم ”
التزموا بيوتكم و حسب … إن لم يجدكم الفيروس فلا تذهبوا لتبحثوا عنه … صغاري لم يخرجوا من المنزل منذ أكثر من شهر لا أظن أنكم لا تستطيعون ذلك … طفلي عمره سنتين فهم أن صفارة الانذار شئ جدي و خطير … أيعقل أن هناك من لا يفهم ذلك ؟!! ” أعتذر لكم بشدة ”
” دبوس على الاعتذار “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى