مارسيل خليفة: لم يعد البكاء لائقا بمن هم في مثل سني

سواليف
غص مسرح البلد بالناس من فئات مختلفة قدموا مساء أول من أمس لحضور حفل توقيع ألبوم “أندلس الحب” للفنان الكبير مارسيل خليفة.
و”أندلس الحب” هو جديد مارسيل خليفة الذي يمزج بين الابداع الشعري وخاصة قصيدة “يطير الحمام” لدرويش، وعذوبة الألحان. وأطلق خليفة الألبوم في ذكرى ميلاد رفيق دربه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
الشاعر جريس سماوي كان قد بدأ الحفل بكلمة قال فيها “ يقف مارسيل ليحتفل بحضور صديقه محمود غائبا في عيد ميلاده الخامس والسبعين”.
ووصف موسيقى “أندلس الحب” بقوله “ثمة غجر كثيرون يحضرهم مارسيل خليفة في ألبومه الجديد، ونار مضطربة، موسيقى انسيابية كماء النهر، وأخرى كاحتفال الفلاحين الخرافيين، رقص وفلامنكو لراقصين خياليين أتوا من غرناطة يقودهم لوركا شاعر الموال العميق”.
وأضاف “ثمة نساء قادمات من اشبيلية وغرناطة وحلب والموصل ودمشق، يلتقين في القدس، وثمة رجال ملثمون بالعطر ينتظرون عشيقاتهم..والغجر غجر والأندلس وأندلس، كلهم يحضرون في ألبوم مارسيل خليفة “أندلس الحب”.
وحول نقاط مشتركة بين مارسيل خليفة والراحل محمود درويش قال سماوي “ رغم جماهيرية الاثنين الكبيرة فإنهما أخذا جمهوريهما إلى مساحتيهما، ولم يقبلا أن يذعنا لما كان يطلب منهما”.
وبين أن مارسيل في عز جماهريته وتصفيق الناس قدم موسيقى خالصة في ألبوم “جدل” واصفا أياه بأنه: ينتمي لقناعاته الفنية بغض النظر عن الرأي السائد”.
وعن “أندلس الحب” قال سماوي “نلتقي في أندلس جديد هو أندلس الحب.. نلتقي في قصائد درويش وحلم الفراشات الملونة القادمة والحمام على ايقاع مارسيل خليفة وحبه واحساسه العالي“.
التصفيق علا في القاعة، ليخاطب مارسيل خليفة الجمهور بصوته الدافئ والهادئ. وقال “أتذكر أيامنا الحافلة عندما كنت طفلا وكان الصفاء يغمر الأرض
والماء والسماء. كنت أنحني وألتقط حبات الماء .. أعثر على الماء الذي يشبه قلب الحب، وكنت أحرره بأصابعي الملتهبة بالألحان .. كنت أجمع أولاد الحي وأعطيهم اشارة الغناء .. وكل يغني على ليلاه!”
وحول الوضع الذي آل إليه العالم قال مارسيل “يحزنني اليوم هذا العالم في سيرته المكتوبة بالحروب، مصلوب هذا العالم! لم يبق في هذا العالم جناح أو سنبلة، هش هذا العالم.
وبين أنه “يؤمن بأن الغد أجمل، لكن التاريخ يفاجئنا كل يوم بخيبة أمل جديدة”.
وأضاف أنه “لم يعد البكاء لائقا بمن هم في مثل سني، ولكني أواجه الطفل الذي كنته والذي تركته هنا. صار الشوك أطول منه ومني فضعنا معا، جرحتني شوكة حادة”.
وتساءل خليفة عن الوطن في قوله “يا وطني الذي أعرف الطريق إليك ولا أعرفك.. هل الوطن في الأغنية؟ هو الوطن في الوطن؟ نعم الوطن هو الوطن في الوطن، في الأغنية في القصيدة وعلى حافة اللحن”.
وأضاف “أنا ابن هذه الأرض، لولا الاقتلاع المدجج بالسلاح كان هذا الوطن كبيرا علينا حين كنا صغارا”.
وتذكر مارسيل حياته في صباه قائلا “أتذكر حكايتي أيام كانت الطريق أوضح، أيام لم تكن الكهرباء قد وصلت إلى البلد، أيام لم نجد كتبا كافية للتعليم.. أيام كنا صغار السن، أما اليوم دم على الأرض وعلى الشجر وعلى مرايا الضمير”
وتساءل مارسيل” من ينقذ الوطن العربي؟”
وكانت اجابته واضحة بقوله “ليس لنا من اختيار آخر .. سنحلم معا بوطن لا غضب فيه ولا ضحية، ولهذا أتيت إلى وطن الشعر وبدأت منذ الصغر ألحن القصائد المدرسية كي أحفظها وأتلوها غيبا”.
وتابع عن علاقته بالشعر قائلا “ عندما كبرت قليلا وقرأت الشعر العربي، أحببت أن أرتكب هذه الخطيئة الفاتنة، وبدأت أغازل خطاياي في المراهقة بشعر طاهر، وثم أدخل من أحببتها إلى جحيم أو نعيم الخطيئة مكابرا مغويا كالعاشقين”.
وأضاف “كان الجنون على أشده وما زال حتى اليوم! كنت أصرخ بصوت مجروح وأواصل تلاوتي حتى يفيض الشعر. وكلما كبر العمر كان يعجز عن إحداث وهن في القصيدة.. وكان الشعر لا يموت ما دام العمر لا يشيخ مهما كبر.”
وعن حبه للشعر قال مارسيل “أحببت الشعر لأنه لا يكبر.. يظل شابا، خارجا عن القانون .. متمردا، صوفي التأمل والروح والحلم التوحد. وجمعت في الشعر ماضيا مشبعا بالسحر ومستقبلا مزدانا بالتفتحات الرائعة”.
أما عن أثر الشعر على حياته فقال “كان الشعر يوصلني الى تلك النقطة التي يلتقي فيها الماضي بالمستقبل والحلم باليقظة والجنون بالوعي”.
وأضاف “اقتحمني الشعر، وجن جنوني ببساطة الألحان والأولاد والأنبياء. وما نحن بلا شعر؟”
وتابع “يقولون أن الوطن العربي هو وطن الشعر.. وكلما قلبت حبة رمل وجدت شاعرا. ولكن أين هم هؤلاء الشعراء وماذا فعلوا بهم وماذا يعرفون عنهم؟
لماذا يكون الشعراء في بلادنا تحت الرمال أو تحت الحجارة ولا يكونون فوقها.
اذا انقرض الشعر فأين يكون أمل البلاد وما نحن بلا شعر”.
وتساءل مارسيل عن مكان الشعر وقال “ماذا يهمنا بعد عشرات آلاف القتلى والمهجرين .. ماذا يهمنا في الشعر.. هل من مكان اليوم لشاعر يقول الأنا؟” مجيبا “نعم كل المكان لأنا الشعر”.
ويرى مارسيل أهمية الشعر بقوله “كل أنا شعرية تضيء الآن هي شمس كبيرة، تعيد إلينا الحب والكرامة والحرية..شمس تعيدنا للحياة .. تنقذنا .. كل أنا شعرية تضيء هي انتصار على الموت والحرب والوحشية والابادة الروحية والنفسية والجسدية”.
وأضاف “هذا المشهد المؤلف من الجثث والأشباح والأنقاض والركام والضباع الكاسرة” متسائلا “من يستطيع أن يحب وأن يغني ويستشعر وهو يعيش في الموت!”
وفي عودة للحديث عن موسيقى “أندلس الحب” قال مارسيل “لا أستطيع أن اشرح بالكلمات ما كتبت من موسيقى في شعر درويش، ولأندلس الحب بالذات لكن أستطيع أن أقول أن شعر درويش تشرد في أعماق قلبي الذي دق بايقاعية طبل صادح ولا أعرف كيف أهدئه!”
وتابع وصفه قائلا “أصابعي علقتها على مشارف الوتر وروضتها على الشهية، وكتبت موسيقى لمحمود جهرا بيان أندلس الحب!”
وعن إيمانه بالحب وأهميته قال مارسيل “نعبث بأن بلا يضيع منا الجميل وينكسر.. نعبث لأن ينطلق المستحيل على ألواح الحياء .. وحده الحب في هذا العالم كان يفهمنا، يقيم فينا … ينادينا..كنا نرى أوراق التوت تتساقط عن جسد العالم ولم نكن نشك في قمر الحب”.
وعن شعر محمود درويش قال مارسيل “شعر محمود يزهر وينتج كالأشجار أوكسجين الحياة.. محمود أنا وآذار نحبك، ولا أريد أن يتعب الحب”.
المرأة كانت محورا أساسيا في حديثه، إذا قال “أصدقائي لا حاجة لي للاعتراف بحبي للمرأة!” مستذكرا مقولة لمحمود دوريش في الحب “ لا يكفي أن نُحب، بل علينا أن نعرف كيف نُحب”.
وأضاف “أفرحني الحب وأوجعني أيضا.. المرأة معجزة لا حد لها.. أحس بأنني محظوظ بأن عندي أم وأخت وحبيبة وحفيدة”.
وختم قائلا “لنا الحب ونحن في الحب بل لنا أندلس الحب”.
وبعد كلمته التي لاقت تفاعلا كبيرا، توافد الجمهور لتوقيع الألبوم من مارسيل الذي وقعه “مع الحب”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى