خرافة النظام الرسمي العربي / م . عبدالكريم ابو زنيمه

خرافة النظام الرسمي العربي

إنَّ المهانة والبؤس التي يحياها نظامنا العربي الرّسمي، هي مرحلةٌ مُتقدمة غير مسبوقة من الذّل والهوان، تفوق حتى حالة الهوان التي وصلها العرب أيام شتاتهم في الأندلس في زمن ملوك الطوائف، لقد عاش العالم العربي بضعة عقودٍ من الزمن بعد التحرر من قبضة الاستعمار الغربي والظن يملأ أبناؤه بأنَّهم قد نالوا سيادتهم وملكوا حاضرهم ومستقبلهم، بهمةِ وعنفوان المُحررين نُقشت الصقور والأسود والسيوف على الأعلام كرموزٍ للعزة والمجد، أُسست الجيوش وكُدِست الأسلحة بمليارات الدولارات..أسست الأنظمة الرسمية أجهزةٍ أمنية ومخابراتية بنسبةِ رجلِ أمنٍ إلى كل أربعة مواطنين للسهر على راحة مواطنيهم ورغد عيشهم، بُنيت السجون والمعتقلات للخونة والمندسين وللطابور الخامس الذين سيتخابرون ويتعاملون مع أعداء أمتنا! أُطلِقت فيالق من وكالات الإعلام للتطبيل والتزمير للإنجازات العلمية والمعرفية وللاختراعات التكنولوجية، بُني صرحاً يجمع الدول العربية لتحقيق وحدتها وأهدافها الوطنية ووقع معاهدة دفاع عربية للذود عن حمى وربوع قارتنا مترامية الاطراف !
للأسف، فقد حلَّ نظامنا الرسمي محل الاستعمار وبتمويلٍ عربي، كان الاستعمار العسكري لأوطاننا يُشكّل عبئاً على المستعمر بما كان يُكبده من خسائر في الأرواح والأموال، اليوم تَحقق للمستعمرين ما سعوا إلى تحقيقه، قسّمنا أنفسنا إلى مذاهب وطوائف متناحرة، جيوشٌ متربصة لبعضها على أطراف الاسلاك الشائكة التي خطها المستعمر على الخريطة قبل مائة عام، مكائد ودسائس ومؤامرات تُحاك من هذا ضد ذاك، مدارسٌ للجهل والتّخلف والتطرف، فقرٌ يُشرد أبناء الأُمة إلى ما وراء حدودها بحثاً عن الأمنِ والأمان، أمراضٌ وأوبئة تنهش في أجساد الشعوب وموتٌ من قلةِ الرّعاية الصحية، مقاصل ومناشير كهربائية لكلِ من يتفوه بنصيحةٍ أو كلمة لا تواتي ذهنية الحاكم بأمر الله ! هذا ما عجز عن تحقيقه المستعمر الاجنبي طوال فترة الاستعمار !
بفضلِ هذا النظام الرّسمي العربي أصبحنا أشر خلق الله وأُضحوكةً للعالم، كل يومٍ يُطل علينا الرّئيس الأمريكي بإهانةٍ جديدة، بل حتى أنَّهُ جعل من ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا دعايةً انتخابيةً لحملته، مُحاطةً بصيحات التأييد والانشراح والبهجة من قِبل ناخبيه عندما تهكّم على أغنى دولة نفطية عربية وقبلها العالم العربي والإسلامي أجمع، قائلاً: “ادفعوا مقابل حمايتنا لكم وإلا لن تبقوا اسبوعين في حكمكم !” فإذا كانت هذه طريقته في الكلام مع هذه الدولة الحليفة لهم منذ عام 1945 والتي نفذت كل إملاءاتهم ومشاريعهم ما نجح منها وما فشل، هذه الدولة التي تُعد الداعم الرئيس والأهم لدولارهم الذي به تتحكم أمريكا بمعظم دول العالم وبالاقتصاد العالمي، فكيف يُخاطب الدول المؤتمرة بأمره وتوجيهاته والتي تعتاش على فتات بقاياه!
ما كان لترامب ولا غيره أن يتجرأ على إهانة أيّة دولة، لو أنَّ قادة هذه الدول قد حفظوا كرامتهم وكرامة شعوبهم ولو جعلوا من أنفسهم ومن شعوبهم أسياداً لا عبيد يأتمرونَ بأمر أمريكا، ما كانوا سيدفعون المليارات لترامب صاغرين مُهانين، مُفرطين بذلك بسيادتهم ومقدساتهم لو أنَّهم سخروا ثرواتهم لبناء وطنٍ عربي خالٍ من الجوع والفقر والأُمية والجهل والتطرف ولو أنَّهم جعلوا من الشعوب العربية شريكةً في التّخطيط والبناء واتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات .. لكنهم بدلاً من ذلك عملوا على إذلال وإهانة وتجويع الشعوب وها هم اليوم يشربون من نفس الكأس، ما ينبغي أن يعرفه هؤلاء هو أنَّ العبيد لا يهبون للدفاع عن أسيادهم اذا ما تعرضوا للغزو والعدوان، وهذا الأمر معروفٌ تاريخياً لو كانوا يفقهون، فيا ليتهم يتعرفون على شعوبهم قبل فوات الأوان !!!
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى