تعديل وزاري «منزوع الدسم»

سواليف – كتب بسام البدارين
قد لا تنتمي محاولة الزج مرة أخرى برجال محسوبين على الجهاز الاستشاري لمؤسسة القصر وظيفياً في عمق الحكومة على نتائج مضمونة بالنسبة للصعيد الاقتصادي كما حصل في وقت سابق قبل أكثر من عشرة أعوام. قد لا يحصل ذلك ليس فقط لأن الظروف والاعتبارات والأسماء تغيّرت. ولكن لأن تسويق حكومة الرئيس هاني الملقي مجدداً عبر «سطو» مراكز ثقل تنفيذية أخرى في دوائر القرار على ملف التعديل الوزاري خطوة حمالة أوجه من شأنها الإشارة مرة أخرى الى أن الإخفاق إن استمر أو حصل مستقبلاً بيروقراطياً يمكن أن ينعكس على تلك المساحة المخصصة وطنياً لعلاقة إيجابية بين الدولة والنظام والشعب.
تبدو محاولة السطو البيروقراطية التنفيذية تلك متعددة النكهات وتحاول الاستثمار في الحالة المرضية العلنية لرئيس الوزراء الذي يواصل الشارع الهتاف ضده. مرة يقال إن إدخال عناصر قريبة جدا من مركز القرار المرجعي الى الحكومة يحقق معادلة إنتاجية أفضل على صعيد التحفيز الاقتصادي. ومرة أخرى يقال إن مثل هذا الاقتحام مفيد لإطالة عمر الحكومة، لأن انتقال شخصيات عملية في الديوان الملكي الى عمق القرار الحكومي وفي ظرف حساس شعبياً يمكن أن يطيل عمر تجربة الإصلاح الاقتصادي الذي ينبغي أن يكتمل. الفكرة باختصار تمثلت حتى مساء الخميس الماضي في أن مدير مكتب الملك ووزير التخطيط الاقتصادي سابقاً الدكتور جعفر حسان يقترح كثيرون دخوله للحكومة في موقع الرجل الثاني للسيطرة أكثر على إيقاع الأداء الاقتصادي.

بالون اختبار

عند اختبار هذه المنهجية وإطلاقها كبالون اختبار دبت حالة من الفوضى السياسية، فقد تخربطت نسبيا ماكينة العصف الذهني عند الرئيس الملقي، وهو يعد العدة لتعديل وزاري موسع وسط اتهامات سياسية مكتوبة تشير لأن الفريق النافذ في بعض المواقع زاحم لفرض توصيته الخاصة ثم وصايته بالنتيجة على مجلس الوزراء. تلك الفوضى اتخذت أنماطاً وأشكالاً عدة، فوجود الدكتور حسان في الحكومة كوزير لا يكفي؛ لأن موقعه أكثر أهمية. ومن الطبيعي أن يجلس في مقعد نائب رئيس الوزراء حتى يتسنى له رئاسة المطبخ الاقتصادي، وهو أمر قد لا يعجب نظيره في الموقعين سابقاً وزير التخطيط الحالي عماد الفاخوري، وإن كان يعجب وزير المالية النافذ والقوي وشريك حسان في هندسة الميزانية المالية الأخيرة عمر ملحس.
الوزير حسان كان بطبيعة الحال زائراً دائماً لمكتب الرئيس الملقي يحمل ملفات القرار وينقل التوجيهات الملكية. طوال الوقت أشير لحسان في تركيب وهندسة سلسلة من التعديلات الوزارية كما أبلغ الملقي مقربون منه أن الحكومة تدار أكثر مما ينبغي في إطار الحسابات والانحيازات الشخصية للوزير حسان وعلى حساب الرئيس نفسه. والانتقال الى مستوى اختبار تجربة جديدة قوامها اليوم جلوس حسان في موقع الرجل الثاني خطوة يمكن ان تؤدي الى نتائج وتداعيات غير محسوبة، من بينها توسيع الأزمة الحالية مع الشارع لأن الاحتجاجات المطلبية كانت تعتصم في الأصل أمام ديوان الملك بدلاً من مقر رئاسة الوزراء. ومن بينها أيضاً صعوبة قبول شخصيات سياسية وطنية وازنة يحتاجها الملقي فعلياً داخل الحكومة او خارجها إذا ما أصبح حسان الرجل الثاني في الفريق ليس بحكم حداثة عهد الرجل فقط في الوظيفة. ولكن بحكم التحاسد السياسي المألوف والنفوذ الطاغي للأخير أصلاً وبحكم سلسلة خصومات بيروقراطية كان حسان طرفاً فيها في الماضي وبحكم انتقال متوقع وطبيعي للإشكالات والتجاذبات مع صاحبها عندما يجلس في الحكومة.

ضابط الإيقاع

مقالات ذات صلة

قد تختلط أيضاً بعض الأوراق، فقد وجد الملقي صعوبة في إقناع شخصيات محددة بقبول الانضمام إليه على أساس جلوس الدكتور حسان في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء. يبدو أن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الدكتور خالد الكلالدة نفد بريشه من حمى التعديلات، بعدما اقترح وزيراً للتنمية السياسية او الداخلية مستئذناً بالبقاء في مقعده الحالي. ويجد مخضرمون من وزن حسين المجالي ورجائي المعشر أيضاً صعوبة في قبول الوقوف والجلوس خلف ضابط الإيقاع المتوقع الجديد في الحـــكومة. واحد من التداعيات المرجحة لهذه التوليفة تتمثل في أن الرجل الثاني الحالي في الحكومة الدكتور ممدوح العبادي سيغادر موقعه في حال تسمية نائب لرئيس الوزراء كما يعتقد بان وزير الخارجية أيمن الصفدي قد يصر على اعتبار نفسه أقدم من زميله حسان في موقع نائب الرئيس.
الكلالدة كان واحدا من ست شخصيات على الأقل اعتذروا للملقي عن مشاركتهم في حفل التعديل الوزاري الجديد والمتوقع غدا الأحد والأخير قد يضطر للعودة مجددا الى تعيين ثلاثة نواب له دفعة واحدة او اثنين على الأقل تفاعلاً مع حاجته لإرضاء جميع مراكز القوى. وهي تجربة لم تنجح إطلاقاً منذ عام 1989 تردد في الهوامش بأن مستويات عميقة في الدولة رفضت خياراً يقضي بنقل الوزير موسى المعايطة من التنمية السياسية الى وزارة الداخلية، وهو أمر قد يضطر الملقي لاختيار شخصية تكنوقراطية في وزارة الداخلية خلفاً للوزير المخضرم غالب الزعبي الذي يتراوح أمره بين المغادرة بمعية العبادي تماماً او الانتقال الى موقع آخر في الوزارة لأغراض توازن المحاصصة قد يكون شؤون البرلمان او وزارة الدولة للشؤون القانونية. التعديل لا يبدو دسما فقد فكر الملقي أيضا بالاستعانة بوزير الداخلية الأسبق مازن الساكت ويخطط للتخلص من وزير الأوقاف الحالي وائل عربيات ويبحث عن فرصة لحسم الجدل حول وزارة النقل بتسمية أقرب المقربين إليه وهو وليد المصري وزيرا للنقل ،الأمر الذي سيؤدي الى شغور وزارة البلديات.
يبحث الملقي أيضاً او تبحث القوى التي تهندس التعديل عن بديل لوزير الطاقة الحالي صالح الخرابشة الذي طارده وبقوة شبح سلفه الدكتور إبراهيم سيف صاحب الإنجاز الأهم في مجال ترتيب ملف الطاقة البديلة والذي غادر وزارة الملقي أصلاً من دون سبب واضح.
جبهة وزير المياه المخضرم حازم الناصر لا تبدو هادئة وقد لمح عضو البرلمان البارز خليل عطية الى أن بعضهم يحاولون إقصاء الوزير الناصر برغم أنه صاحب الإنجاز العملي الوحيد في الحكومة حيث تمكن قبل أيام فقط من التقاط صورة وهو يرفع إشارة تدلل على الفرح، لأنه أنقذ – نقصد الوزير الناصر- خزينة الدولة من دفع غرامة تصل الى نصف مليار دولار في قضية النزاع عبر التحكيم الدولي بملف مياه حوض الديسي.
ثمة مرونة كبيرة في عمق طبقة التعديل الوزاري تؤدي الى تداخل الخطوط ببعضها وتنزع مسبقا الدسم والقيمة المفترضة من تعديل وزاري لا يزال غامضا ولا تعرف أسبابه وولد في ظل الإعلان عن مرض رئيس الوزراء وحاجته للعلاج وبعد حصول الحكومة على الثقة. الأهم أن الساحة السياسية وبعد رصد محاولات السطو والاختراق المشار اليه لم تشهد تقاطعاً وتجاذباً بين مراكز القوى ينهش مسألة اعتيادية مثل التعديل الوزاري كما يحصل الآن.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى