أتعلمون الشوق

أتعلمون الشوق
د. محمد شواقفة

هجر النوم عينيه و تأبى جفونها إطباقا، يحتري بشغف و لهفة انبلاج خطوط الفجر الاولى لييمم وجهته لأطيب أرض ضمت أعظم حب في حياته”أمه” .
تراكمت سحبا و غمامات اختلطت الوانها بين بياض ناصع و أسود داكن و كأنها مرآة لروحه الجريحة ترفل في آخر بياض لف جسدها الذي فارقته الروح تزف فيه لعالم الخلود مزينة بالذكريات الجميلة تحفها ترانيم ملائكة الجنة فرحا و حبورا. و يغمر قلبه القاسي سواد كقطع الليل أطفأ جذوة الدفء الأخيرة في ذلك الركن المهجور.
تشفق عليه السماء رغم اكفرارها و كأنها تعلم عن مدى عجزه في البكاء فتنثر حبات من مطر بارد كأنها دموع السماء. يستجمعها في راحة كفيه المرتجفتين و بمسح بها جبهته فيشعر بتلك القبلات التي غابت و يعلم يقينا أنها لن تعود.
لا يكترث للوقت الذي لم يعد له معنى، و لا تزعجه دقات الساعة التي بادرته بالخيانة يوما ما و قالت له: لا يزال في جعبتك المزيد! لم يعلم حينها أن ساعة الرمل قد شارفت على النفاذ و عندما أدرك أن الزمان قد أدار له ظهره، لملم أشلاءه المتناثرة على عجل و عاد في آخر اللحظات!!
عاد و لم يجد ما كان ينتظره لربما بل و حتما لأنه أطال البعد و الغياب!! ، وجد آخر آثاره البالية قد نال منها الزمان، كانت لا تزال تنتظره عند ذلك اليوم و تلك اللحظة التي غاب فيها و كانت تحتفظ بأشيائه كلها، ملابسه، صوره، شهاداته، حتى أنها كانت تسمي معظم الاشياء بإسمه. و كثير من الاشتياق.
كان ذلك الشوق و الحنين لا يقاس بأيام أو شهور أو سنوات بل كان عمرا كاملا تراكمت أشلاؤه قصصا لم تكتمل و حكايات لم تحدث أبدا. كان شوقا لا تدانيه مشاعر و عشقا لا يحكمه زمان أو مكان. نال من ذلك القلب الدافئ فأوهنه و لم يترك الا بعض شذرات من الذاكرة التي بدأت تتآكل و تغيب رويدا رويدا و بسرعة كبرى بعد حين. و غابت حروف الكلم عن لسان بليغ و التزمت روحها صمت لم تدرك كنهه حولها تلك العيون الحائرة.
يعود به الشوق بعد أن عاد من محراب الاغتراب ليبحث عن رائحة الجنة التي أوصدت أبوابها التي ابتعد عنها طوعا و كرها عندما كانت مشرعة أبوابها و يلتمس إليها إقترابا في زيارة خاطفة في غفلة من الزمان لمثواها الأخير.
يستجمع قواه كي لا تعاتبه لأنه لم يزر قبرها منذ عامين. و يبحث عن كلمات يبثها لشاهد قبرها في خلوته عندما يزورها.
أتعلمون الشوق! أنك ترى كل لحظات حياتك في كلمة منها” الله يرضى عليك”

” دبوس إشتياق”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى