الحياة مع هتلر

ايفا براون وهتلر- لم يكن بإمكان هتلر ان يتمنى عشيقة افضل من عشيقته.. ففي اول اصدار لمذكرات ايفا براون، تعاين المؤرخة الالمانية هايكه ب. جورتميكر المصادر الرئيسية في حياة بروان، وتخرج بتوليفة متسقة للغاية وقابلة للقراءة، راسمة بورتريها لامرأة عادية احبت الرياضة والموضة وموسيقى الجاز، والتي كانت دون شك مخلصة ومكرسة نفسها لرجل كان يراه التاريخ بانه «يجسد الشر».
وتتساءل جورتميكر في كتابها «ايفا بروان: الحياة مع هتلر» ما اذا كان من المفيد الحصول على صورة دقيقة لهتلر وهو في اوقاته الخاصة، وهو رجل مثل غيره من الرجال، يلبس سرواله ويضع رجلا فوق الاخرى.
وتعتقد جورتميكر انه من المهم رسم هذه الصورة، وان «شياطين» هتلر ظلت عائقا اما الفهم الكامل له ولظاهرة النازية، وتؤمن جورتميكر انه من خلال بروان يمكننا ان نستنبط وجهات نظر اخرى عنه.
وتكتب قائلة ان «طبيعية» بروان في وسط هذه الاجواء الشيطانية هي بمثابة «مفارقة تاريخية تقوم فيه بإغاثة هذا الشر واظهاره في ضوء جديد»، ولا يسع القارئ هنا الا وان يتساءل ما كان هذا الاقتباس ضروريا!
في احد ايام العام 1929 في ميونيخ، زار القائد الأربعيني هتلر، زعيم حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني، معرض مصوره الفوتوغرافي الخاص هينريتش هوفمان، وكان هناك اول لقاء بينه وبين موظفة جديدة تعمل لدى هوفمان: فتاة جميلة وشقراء بعينين زرقاوين لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها.. كانت ايفا بروان.
ومنذ تلك اللحظة فتن هتلر بإيفا، وهي بطبيعة الحال كانت متأثرة بزعيم الحركة الوطنية المقبل!
كانت ايفا فتاة من الطبقة الوسطى المتدنية، واحدة بين ثلاثة شقيقات ومن عائلة ذات اصول آرية بحتة (قام هتلر بالتحقيق المكثف حول عائلتها ليتأكد من عدم وجود اي اثار يهودية في اصلها).
وعلى الارجح ان ايفا كانت تتمنى الزواج.. ولكن ما كان ذلك ليتحقق، على الاقل ليس قبل 16 عاما اخرى، فهتلر كان لديه عروس اخرى: «انا متزوج من الشعب الالماني ومصيره!.. لا، لا يمكنني ان اتزوج، لا يجوز ان افعل».. هذا ما ردده هتلر مرارا وتكرارا بطريقة وبأخرى.. اما عشيقة سرية، فهذا امر اخر.
ولكن ماذا عن الجنس؟ فقد كانت هناك نظرية سائدة أن هتلر كان شاذا.. مثلي الجنس.. مخنث وعاجز، وذكرت عديد من النظريات شبقه وغريزته للاشياء الشاذة.. لكن في الواقع، لا احد يعلم الحقيقية!
جورتميكر تؤمن ان حياة هتلر وقدرته الجنسية كانت ضمن النطاق العادي والتقليدي، فهناك جزء مكون من 20 صفحة من المذكرات الخاصة نسبت الى بروان، الا ان جوتميكر، كمؤرخة حريصة وحذرة لا تدعي في موضوع بحثها اكثر مما يمكن ان تحتمل الادلة التي تملكها، وتحذرنا في كتابها ان هذه المذكرات من الممكن ان لا تكون حقيقية.
ومع ذلك، تقتبس جورتميكر مما كتبته بروان «ساعتين جميلتين بكل سحر معه حتى منتصف الليل».
وفي سنوات ازدهار قوة النازية، لم يكن لدى هتلر الكثير من الوقت من اجل ايفا، فقد كان هناك الكثير مما يشغل باله، فقد كان لديه انتخابات الريخستاغ ليفوز بها، ومنصب المستشارية للحصول عليه، واثارة الجماهير واضطهاد اليهود.
وبالمناسبة، كان وصول هتلر الى السلطة المطلقة، يعود الفضل في جزء منه إلى سياسة الكومنترن السوفياتي لتأليب الشيوعيين الألمان ضد الاشتراكيين الديموقراطيين، وبالتالي تقسيم التصويت على اليسار.
في الاوقات التي كان يغادر هتلر فيها ميونخ، كانت ايفا تعيش مع عائلتها، وتعمل في معرض هوفمان، وتنتظر زيارات حبيبها المتفرقة، ولم تكن صبورة في كل الاوقات.
اذ تؤكد جورتميكر ان هناك دليلا يفيد بأن ايفا حاولت قتل نفسها في العام 1932، وعاودت الكرة بعد ثلاث سنوات حين شعرت بالخوف من أفول اهتمام هتلر وشغفه بها.
كانت محاولة براون الاولى في الانتحار قد ذكرت هتلر بأن ابنة اخته غير الشقيقة، جيلي راوبال (1) التي عاشت معه وكان مخلصا لها بطريقة ما، قد قتلت نفسها في العام 1931.
كان متأثرا لدرجة انه كتب عن بروان: «الان لا بد ان اعتني بها، لا شيء مثل هذا يجب ان لا يحصل مرة اخرى»، اما محاول براون الثانية للانتحار العام 1935دفعت هتلر الى توفير شقة خاصة لها في ميونيخ وسمح لها ان تمضي وقتا اكثر بحضوره.
وتتساءل جورتميكر «هل كانت براون تشاطر مواقف حبيبها السياسية ونظرته الاساسية عن العالم»؟ الا ان هذا التساؤل بلاغي لا اكثر!
فما الذي يدعو ايفا ان لا تشاطر مواقف هتلر السياسية؟ فلو نظرنا الى الموضوع بعلاقته الاسموزية فقط، لماذا لا تتقبل هذه الفتاة الشابة والعادية جدا آراء عشيقها، ورئيس والدها الذي كان أيضا عضوا الحزب النازي؟ فما كان يؤمن به هتلر كان يؤمن به عدد كبير من الالمان: ان ألمانيا لا يمكن ان تعيش بسلام ما لم تتم «إبادة الخونة المصرفيين اليهود البلشفيين، وان تمتد الهيمنة الألمانية إلى إلى الغرب وإلى الشرق»
وكما كتبت اليس، زوجة رودولف هس (2)، في اول ايام النازية: «لوضعها في عبارات واضحة ونظيفة وسلبية ومناسبة للحركة، نحن معادون للسامية.. باستمرار وبدقة ودون استثناء!»
في ايلول العام 1935، تم السماح لبراون، التي كانت في غالب الوقت متروكة في ميونيخ، بحضور مؤتمر الحزب النازي في نورمبرغ، حيث شهدت وفاة قوانين نورمبرغ التي تحرم اليهود من الجنسية الالمانية وتمنعهم عن المشاركة في الحياة المدنية.
وكثيرا ما تضطر جورتميكر الى عبارات مثل «نحن فقط يمكننا التكهن»، «لا معلومات موثقة حول»، و «الحقيقة النهائية، مع ذلك، تبقى مجهولة». ولكن هل هو حقيقي ان كل الاوراق والرسائل الخاصة بين براون وهتلر تم اتلافها بناء على اوامر هتلر في اليوم الاخير من الحرب، وان معلومات بعينها نجدها فقط في ذكريات وشهادات من خدموهم، والذين فيما بعد، بعد انتهاء الحرب، خدموا انفسهم فقط؟!
لكن جورتميكر تظهر انه في مطلع العام 1936 كان موقف براون مع هتلر لا يمكن تعويضه، ففي بيرغوف(3)، منزل هتلر الجبلي المختفي وراء سحابة ملتفة حول جبال الألب البافارية، كانت تملك شقتها الصغيرة الخاصة، ملاصقة بغرفة نوم هتلر، وتقبلها المقربون من هتلر كسيدة للبيت، ففي الوجبات الرئيسية كانت تجلس الى يساره، وكانت تشعر بالامان بما فيه الكفاية لتوبخ هتلر على تأخره عن موعد العشاء، او ان تشير له حين تشعر بأنه تكلم بما فيه الكفاية.
كانت تستمتع بالسباحة والتزلج، وتحب الموضة وتغير ملابسها عدة مرات في اليوم، وكانت تلتقط صورا وتصور افلاما لهتلر وضيوفه، وهذه الافلام موجودة الان على موقع اليوتيوب العالمي، وكانت تتصرف بشكل عام وكأنها في منزلها.
ومن ثم، في الاول من ايلول العام 1939 اجتاح هتلر بولندا، ولا يخامر جورتميكر ادنى شك بأن براون كانت على علم بمخططات هتلر، اذ يبدو انه كان يتحدث عنها بحرية في بيرغوف.
أثناء الصراع، على الأقل حتى وقت قريب من النهاية، بدت وكأنها غير مبالية، تذهب في رحلتها السنوية إلى إيطاليا، بينما كان هتلر يقود الحرب على الجبهة الشرقية. وحتى في الوقت الذي تحولت الحرب ضد ألمانيا، كان هتلر يشيد برفيقته قائلا «الهدوء وسيلة ذكية وهادفة من اجل الوجود.» وفقا لغوبلز (4). لم يكن حتى العام 1944، عندما كان الجيش الأحمر قد وصل وارسو، حتى فقدت براون إرادتها.
ايفا احبت هتلر، هذا مما لا شك فيه. ففي ربيع العام 1945، حين اصبح مشهد خسارة الحرب جليا ومؤكدا، هرعت الى برلين لتكون معه في قبوه، لتتزوجه وتنتحر معه حين وصل الجيش الاحمر الى الريخستاغ.
ولكن ان نعلم ان هناك حبا حقيقيا في حياة هتلر، حتى وان كان نوعا من الوجود المحلي، فهل نرى «شر» هتلر في ضوء جديد، كما تقترح جورتميكر، او أننا نعرف، كما عرفنا دائما، ان الشر الذي يمشي بيننا، وانه ليس هناك ليس وحشاً (أو أصدقاؤه وأهله) يظن نفسه وحشيا، وانه لا يوجد مجنون يظن انه مجنون، اذ كما قال المخرج جان رينوار ذات مرة: «الشيء الفظيع حقا هو أن لكل فرد دوافعه الخاصة».

(1) جيلي راوبال ابنة أخته غير الشقيقة؛ وكانت تربطه بها علاقة وثيقة، وهي علاقة زعم بعض المعلقين أنها كانت علاقة جنسية بالرغم من عدم وجود أدلة تثبت ذلك. ويذكر جون تولاند في كتابه Adolf Hitler: The Definitive Biography أن هتلر كان كثيرًا ما يزور جيلي بصفته خطيبها، كما كان يضع الكثير من القيود على تحركاتها ما لم تكن بصحبته.
(2) والتر ريتشارد رودولف هس (26 أبريل 1894 – 17 أغسطس 1987) من أعلام ألمانيا النازية كنائب هتلر في الحزب النازي. في بداية الحرب مع الاتحاد السوفيتى في الحرب العالمية الثانية، سافر إلى أسكتلندا لمناقشة اقتراح سلام مع إنجلترا ولكن تم القبض عليه. تمت محاكمته في نورنبيرغ والحكم عليه بالسجن مدى الحياة. أصبح محل احترام وتقدير كبيرين بين مؤيدى النازيه ومعادي السامية في العالم.
(3) بيرغوف كان منزل أدولف هتلر في أوبرسالزبيرج في جبال الألب البافارية بالقرب بيرشتسجادن، بافاريا، ألمانيا. حيث قضى فيه هتلر معظم وقته خلال الحرب العالمية الثانية.
(4)الدكتور جوزيف غوبلز 29 أكتوبر 1897 – 1 مايو 1945 – وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية، وأحد أبرز أفراد حكومة هتلر لقدراته الخطابية.
درورثي جالاغير
صحيفة نيويورك تايمز الاميركية

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى