#ليس_للبيع_أوالمبادلة

#ليس_للبيع_أوالمبادلة

د. هاشم غرايبه
#الأردن جزء لا يتجزأ من أرض الشام، وكما الأقطار الأخرى، كان انتقال قاطنيه من البداوة الى الحضر، وبمعنى آخر #المجتمع المتنقل الى المجتمع المستقر في قرية أو مدينة، هو البداية لتشكل مجتمعه المدني الحديث.
تؤكد الدراسات التاريخية أن ذلك التطور قد بدأ في حقبات مبكرة وليست متأخرة حتما عن تطور أقدم الحضارات المعروفة في العالم القديم، وهي حضارات بلاد الرافدين ووادي النيل، كون الأردن هو المعبر التجاري الوحيد بينهما، ولموقعه الاستراتيجي في قلب العالم القديم.
ورغم الشواهد الأثرية الدارسة من العصر الحجري، وتلك الماثلة للعيان مثل مدينة البتراء (إحدى عجائب الدنيا السبعة) واتحاد مدن الديكابوليس اليونانية العشرة (التي توجد جميعها في الأردن) ومنها مدن ما زالت قائمة بكاملها مثل: أم قيس و جرش وأم الجمال.
رغم ذلك التاريخ العريق، فقد كان لخصوصية تأسيس الكيان السياسي الأردني بقرار بريطاني، وليس نتيجة لنضال شعبه ومطالبته بالإستقلال (مثل معظم الأقطار العربية)، أن ظهرت مقولات مستهجنة، ذهب البعض فيها الى اعتبار أن الأردن شعبا ووطن (اكتشف) وجوده فجأة، وذلك في بدايات القرن العشرين، وتخندق خلف هذا التوجه معسكران:
الأول: ويتألف من فئة (السحيجة) الإنتهازيين، التي تقول ان الأردن لم يكن شيئا مذكورا قبل أن يكتشف (تشرشل) أهميته، وبالتالي فإن تأسيس المملكة الهاشمية عام 1920 كان البداية لهذا التطور التاريخي للمجتمع الأردني.
والثاني: وهي الفئة التي تروج لفكرة الوطن البديل، فتحاول إظهار الاردن منزوعا من خارطة التطور العامة في منطقة بلاد الشام، وبمعنى آخر منطقة فارغة إلا من قبائل بدوية متنقلة، وأن المدن الأردنية ما كانت لتتطور فيه لولا الهجرات الفلسطينية.
ورغم تناقض هذين المعسكرين من حيث الدوافع، إلا أنهما متفقان في النتيجة على اقصاء العمق التاريخي الجغرافي من الذاكرة، لذا نشأت جماعتان كردة فعل على هذا الإنكار المتعمد للواقع، وعلى الجحود لهذا الوطن:
الجماعة الأولى مناوئة للمعسكر الأول وتتألف من الوطنيين المسيّسين قوميا أو اسلاميا، فالقوميو التوجه يعتقدون بأن جذور الأردن الحضارية ضاربة في عمق التاريخ باعتباره جزءا من الأمة العربية، إلا أن حساسيتهم من (الإقليمية) واستغراقهم في حلم الوحدة العربية أقعدهم عن طرح حجتهم، في حين أن الاسلاميي التوجه يعتبرون الأردن جزءا من دار الاسلام، وأن العقيدة أهم من الإرتباط الوطني، مما أوهن دفاعهم عنه كوطن.
أما الجماعة الثانية التي تشكلت كنقيض للمعسكر الثاني، فقد تألفت من بعض المثقفين الوطنيين غير المتحزبين الذين آلمهم عدم اعتبار الأردن وطنا بل ساحة، معتبرين أن ذلك التفريغ خبيث، بقصد التهيئة لتنفيذ مشروع الوطن البديل.
من هذا التحليل المبسط نلاحظ أن المعسكرين كليهما يتبوآن موقع التأثير القوي، بينما يحتل افراد الجماعتين المناوئتين لهما موقع المعارضة المنهكة حتى الهزال.
وبشكل أوضح فإن منظري المعسكر الأول يتسيدون الفضاء العام، بعد أن استخدمت الدولة بإسراف جزرة (معالي الوزير)، لإغراء المؤيدين نفاقا والمعارضين إنتهازية، خاصة بعد أن تبين أن ذلك أسرع وسيلة لنيل هذا المنصب، وأسهل كثيرا من متطلب الكفاءة.
أما منظرو المعسكر الثاني فإنهم يحظون برعاية مزدوجة: الأولى رسمية بضغط غربي، تتمثل بالدعم والأعطيات، بشكل تسويق الشخص إعلاميا، أوتعيينه في مواقع مؤثرة مجزية أو بوظيفة بمسميات وهمية (استشارية) بقصد تنفيعه ماديا.
أما الثانية فهي من الغرب مباشرة بالتمويل المغري، إما بالتعيين بوظائف في المنظمات الدولية غير الحكومية، برواتب مجزية، أو عبر تمويل سخي لمشاريع وهمية بمسميات خادعة: كالسلام ونبذ العنف والكراهية وحوار الأديان وإزالة الفوارق بين الجنسين وحماية المرأة وحقوق الطفل وتدريب الصحافيين وحماية الأقليات ..الخ.
المخلصون يدركون أن هذا التشتيت مقصود، بهدف التمكين للكيان اللقيط، والمؤلم أن من يحترقون بِهمِّ هذه البقعة الهامة من ديار الأمة، نقصوا بدل أن يزدادوا، فبعد ثورات الشعوب العربية اكتشف (التقدميون) أن منهجهم ليس خيارها، بل الإسلام، فقلبوا لها ظهر المجن، وانضموا الى معسكر الأنظمة المستبدة، مكررين بذلك خطأ الشيوعيين العرب القاتل، عندما قدموا العداء للدين على النضال ضد المستبدين، لكن الدين لم يتأثر وانقرضوا هم .. وبقي المستبدون.
هذا قدر الأردن، سيبقى أرض الحشد والرباط، لذلك فلن يبق من يدافع عنه وينال شرف تحرير الأقصى وما حوله غير المتمسكين بعقيدتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى