السؤال المليون … لماذا يتأخر الإصلاح أو يستعصي؟

السؤال المليون … لماذا يتأخر الإصلاح أو يستعصي؟
سالم الفلاحات

كتبت قبل سنين مقالاً بعنوان (الموازنة والموازنين).

وقرأت للأستاذ عدنان أبو عودة قبل سنين أيضاً مقالاً بعنوان (استعصاء الإصلاح)، وأرجعه إلى أنّ الفساد موجود في البنية المؤسساتية للدولة.

ولأنّ منهجية الدولة الأضعف بين الأقوياء في المحافظة على نفسها يجعلها تعيش على (موازنة الموازنة).

مقالات ذات صلة

وهكذا فالمشكلة عندنا تترك حتى تصبح ظاهرة عميقة متأصلة فقط ترحل لسنة أو سنتين.

والخطأ يضخم حتى يصبح خطيئة، وهو للفاسدين ميزة.
والانتماء يُمسخ حتى تصبح متاجرة وتحته تسرق مقدرات الدولة ولا حرج.
والحفاظ على الامن يشوّه حتى يتحول إلى (قمع وطني)، ويصبح الإقصاء والتفتيت من مستلزمات الأمن والأمان.

ويتساءل كل أردني بحيرة كبيرة؛ لماذا يتأخر الإصلاح أو يستعصي حتى الآن منذ عام 2010 على الأقل إن لم تقل منذ 1952م..

إذا كان الملك يكتب ست أوراق في هذا المجال؟
ورئيس الوزراء يتحدث عن الإصلاح السياسي وضرورته صباح مساءً، وكذلك من سبقه!!
وما تبقى من الدستور حتى بعد التعديلات التي انهكته لا زال يتحدث عن الديمقراطية وأن الشعب مصدر السلطات، وأن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي.
ونحن الأكثر تعليماً؟
ونحن الأكثر هجرة ومعايشة لدول الغرب الديمقراطية واطلاعاً على تجاربها؟
وشرائح كبيرة من الشباب من متوسطي الدخل يخرجون باستمرار يطالبون بالإصلاح وإنصاف الشريحة المسحوقة التي لا يسمعُ لها صوت ولا تشارك في مسيرة حتى الآن إلا ما ندر.
والعالم في معظمه أصبح تحت مظلة الديمقراطية ولسنا جزراً معزولة، ونحن في القرن الحادي العشرين.

ويجيب آخرون بقولهم يتأخر الإصلاح :-

لأن الذين يتحدثون عن الإصلاح حتى الآن يمارسون حَسَد المستبدين والفاسدين ويغتابونهم فقط!! ولا يمارسون إلا ما يشبه التشويش وهذا غير كاف، وقد ينتظرون العقوبة بقانون الجرائم الالكترونية!!
ولأن الإصلاح حتى الآن لم يصل عندهم حد الضرورة الملجئة وضرورة البقاء ومنع الموت، فلا زال لديهم القدرة على الاستدانة من البنوك أو بيع ما يملكون من ضرورياتهم أو هم عالة على غيرهم.
الشباب المطالبون بالإصلاح معظمهم لا يدافعون عن مصالحهم، إنما يدافعون عن مصالح فئة واسعة من الشعب لا تخرج معهم ولا تطالب بحقوقها إلا همساً وشكوى وبكاءً محلياً، او ربما لا تعرف حقوقها وتظنها ليست حقوقاً.
ولأن بعض المتضررين حقاً من هذه الفئات الطيبة هم أداة القمع والمنع والايذاء للشباب المطالبين بتحصيل الحقوق لهم أنفسهم من حيث لا يشعرون.

أما من ناحية المفسدين والمستبدين والسُرّاق فهم مؤسسة عميقة منظمة تمتلك جميع أدوات المحافظة على نفسها من الملاحقة القانونية والشعبية والمتمثلة بـ :-

ادعاء المحافظة على الدولة وعلى رأسها ملك البلاد، وادعاء الحرص عليه، ونسبة كل ما يقومون به إلى إرادة الملك ورغبته وتوجيهاته نفسه بالعبارة أو الإشارة.
امتلاك المال اللازم – الذي سرقته من المال العام (خزينة الدولة) من أجل إغراء العديد من الأدوات الجشعة الطامعة أو الغافلة أو الشريكة من الموظفين والمطبلين دفاعاً عن نفسها.
امتلاك زمام القرار في مجلس الأمة الذي تم افرازه بسبب قانون الانتخاب المصمم لخدمتهم فقط، والتأثير على الناخبين بالمال والوعد والوعيد، وتغييب أصحاب البرامج الإصلاحية التي يمكن قياسها لتكون الانتخابات على أساسها وليس بناء على شكل الشخص وعائلته وعزوته ووعوده وجاهه وماله ومدى الرضى الرسمي عنه.
امتلاك القدرة على استصدار القوانين خلال أسابيع أو شهور قليلة بما يخدم مصالحها ويحميها من المساءلة ويوفر لها السيولة الكافية والنهب بسرعة قبل فوات الأوان.
السيطرة على وسائل الإعلام والإعلاميين والكتاب والمطبلين والهامشيين، ومطلقي الشائعات أو ملمعي بعض الفاسدين بوسائل مختلفة، حيث ان المال كفيل بذلك في غياب الرقابة الشعبية.
القدرة على إقناع رأس الدولة بخطورة الإقدام على الإصلاح السياسي، وتصوير المسيرات والوقفات الشعبية واللقاءات الوطنية بأنها هزيلة وشكلية ومأجورة ومرتبطة بالخارج لتغييبه عن الإرادة السياسية للإصلاح.
كما انها تمتلك القدرة على إقناع الدول المحيطة بالأردن بأنها هي الجهة القادرة على توجيه السياسة الأردنية الخارجية بالاتجاه الذي يرضي هذا المحيط المعادي للإصلاح الشامل خوفاً على نفسه من عدوى الإصلاح والديمقراطية، أو خوفاً من نتائجها عليه.
ولأن بعض أجهزة الحكومة (الواقعة تحت تأثيرهم) قادرة على التعامل مع الاحتجاجات الخجولة بما لديها من إمكانات بشرية، وإعلامية، ومقدرات كثيرة، مستغلة حرص المحتجين على أمن وطنهم وممتلكاته، وحسهم الوطني العالي وانتمائهم الحقيقي وليس المزيف.

وعندما تصبح غاية الغايات للدولة والسلطة التنفيذية توفير المال آنيّاً، ومداراة الموازنة بغض النظر عن أي تبعات سلبية لذلك فلا مانع أنْ تأكل الحرة بثدييها، وتقتات الشريفة بجسدها، ولا بأس أن يتنازل الأردني عن كرامته لسد حاجة أطفاله ليموت وهو حي بلا كرامة، ويبقى الحال قائماً على عصاً تنخرها الاكلة (دودة الخشب) لتهوي فجأة دون سابق إنذار؛ وقد اصبح الوطن في عين العاصفة تماماً وليس تحت التهديد فقط.

ولكن كيف يتم الإصلاح في ظل هذا الاستعصاء واختلال ميزان القوى بين الإصلاحيين والإفساديين، وهو الذي يؤرق كل وطني حر؟

أتمنى على كل قارئ لهذه الآهات ممن يغار على وطنه حقاً وعلى مستقبل شعبة وأمته ممن لا يهوّنون ولا يهوّلون، أن يسهم كتابة أو اتصالاً وبالشكل الذي يراه في الإجابة العملية القابلة للتطبيق والمؤهلة للنجاح ولو بعد حين، بعيداً عن التحليل أو البكاء أو الرثاء أو الشتيمة أو التيئيس أو التخدير؛ بكلمةٍ، أو بمقترح عملي بمعالم مشروع واضح، والوقت يمضي بسرعة.

وانا على الاستعداد أن آتيه في أي مكان /إنْ أراد/ واجباً عليَّ لا تطوعاً مني..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى