اخطاء الكبار من اصحاب القرار تسرِّح الآلاف من عمال الآثار

كتب نادر خطاطبة
بجرة قلم، لقرار لم يبرر ، اجهضت دائرة الآثار العامة ، آمال ٩٢٠٠ موظفا مؤقتا ، بينهم مهندسون واثاريون وعمال ، عاطلون عن العمل ،اجر الواحد منهم يتراوح مابين ٢٦٠- ٣٣٠ دينارا ، بعضهم التحق بالعمل ( عمليا ) مدة شهر ونصف وبعضهم الآخر نصف شهر ، ومثلهم من التحق به ( نظريا ) وان كانت القيود الرسمية تخفي تغيّبه ، ما آثار الشك والريبة حول التشغيل على حساب المشاريع المؤقتة ، وتحوله من هدف حل جزء من بطالة شبابية ولو مؤقتا، إلى ” ارضائي نيابي، ولنافذين” بين ليلة وضحاها .

قرار الايقاف للمشروع، ووظائفه المؤقته ، الراشح ان سببه يعود لاختلالات في حصص التعيينات بين المحافظات ، المراد صيانة مواقعها الأثرية والسياحية ، فرضتها الارضاءات والسطوات، ما أفضى لشبهة مخالفة القانون، وان كانت المعلومات المسربة ، تستدعي فتح تحقيق ، يعاقب المخالفين ويعيد الحقوق لاصحابها ، ممن انطبقت عليهم اشتراطات التوظيف التي افترضت الحكومة انها شفافة .

تقول الحكاية المتستر على تفاصيلها للان، والمحاطة بصمت مطبق من وزارة السياحة، ودائرة الاثار العامة، انه تم الاعلان في نيسان عن برنامج تشغيل لتاهيل وصيانة المواقع الاثرية يوفر 4500 وظيفة لمهندسين واثاريين وعمال حفريات وغيرها، براتب مياومة يتراوح ما بين 9- 13 دينارا ، وفتح باب استقبال طلبات التشغيل رسميا ، وبدات التعيينات تصدر تباعا ، وفتحت شهية نيابية للمحاصصة ، بعضها كان مكشوفا ، ناهيك عن وساطات أخرى، دون الية واضحة المعالم لأسس التشغيل، درجة ان بعض التعيينات وفق مأمورون – اي أُمروا بتنفيذها – ، تمت عبر رسائل صوتية من مسؤولين ، فيما اساس التعيين يفترض انه خاضع لعدد المواقع الاثرية والسياحية، المراد تطويرها في كل محافظة ، فكانت المفارقة وبغمرة التعيين ” عن جنب وطرف ” ان تضاعف عدد من تم تشغيلهم ليصل إلى ٩٢٠٠ ، وكان أول مطب ان محافظات تجاوزت حصتها الألفي تعيين لتطوير موقع اثري وسياحي يتيم ، فيما كانت حصة أخرى اقل من ألف وظيفة ، لعشرات المواقع ذات المنتج السياحي والحضاري .

النتيجة الحتمية ان المشروع ومدته وفق اعلان دائرة الآثار العامة ستة أشهر، ما ان بدأ في أيار حتى حاطه اللغط ، فانتظم البعض بمواقع العمل ، واخرون التحقوا به منتصف حزيران ، ليتم اتخاذ قرار ايقافه اعتبارا من نهاية حزيران ودون سابق إنذار، حتى ان من كانوا على رأس عملهم بالمواقع تبلغوا شفويا ان عملهم بيومه الاخير ، ودون ابداء الأسباب..

مقالات ذات صلة

ووفق متعطلون عن العمل ونالوا فرصة الوظيفة المؤقتة انهم فوجئوا بوقف المشروع، رغم انهم وقعوا تعهدات بعدم المطالبة بديمومة الوظيفة ، باعتبار أن من يمضي عليه ٩٠ يوما بالعمل يدخل في حسبة تعاقدية قوامها حقوق عمالية مدتها عام كامل على الاقل ..

دائرة الآثار وبعد ان تضاعف عدد المشغلين على حساب المشروع ومخصصاته ١١ مليون دينار ، يبدو انها وجدت ذاتها أمام قرار فوري بإيقافه، بعد ان استنفذت مخصصاته او كادت، قبل ان ينجز اية أعمال لافتة ، ووفق مطلعون على بواطن الأمور ان الدائرة تسعى للايحاء وعبر مخاطبات رسمية ان المشروع أنجز بمرحلته الأولى للتغطية على نفاذ مخصصاته مبكرا جراء أخطاء ارتكبت .

ويعزو عاملون بالمشروع قرار ايقافه، إلى كتاب تم تداوله، يطلب فيه احد النواب تعيين 15 موظفا من احدى المحافظات 10 منهم من عائلة واحدة ، وهو ما اضطر وزير السياحة للرد عليه ، موحيا انه مجرد كتاب اعتيادي لطلب وظائف، وحالة طبيعية ان ارتباط الوظائف بالمجتمع المحلي وضمن نطاقات جغرافية لابنائه ، ان تتكرر اسماء العائلات او العائلة الواحدة، وان الامر نهاية المطاف يخضع لاشتراطات الوظائف واسسها ، لتكون المفاجاة عقب ذلك بوقف المشروع برمته .

ووفق هؤلاء ان الوزارة اكتشفت اكثر من ذلك من نواحي ورود اسماء موظفين بكشوفات التشغيل، لكن على الواقع لا يعملون، وهو ما اسهم في مضاعفة عدد من تم تشغيلهم ، جراء ما اسموه تدخلات نيابية وشخصيات نافذة ، وقضية التشغيل دون عمل تؤكده معلومات كان قد صرح بها مدير دائرة الاثار العامة اعلاميا ، عن تشكيله لجان تحقيق لبعض مدراء الاثار لاستخدامهم موظفين وعدم تكليفهم باية اعمال، وعدم تواجدهم في الميدان، معتبرا ذلك اساءة وتجاوزا في استخدام السلطة، وهو ما آثار استهجان بعض المدراء واستغراب محاولة تحميلهم مسؤولية ” أخطاء الكبار من اصحاب القرار ” .

القضية للان تتحفظ وزارة السياحة والاثار ووزيرها ، ودائرة الاثار العامة ومديرها، على الخوض فيها ، بل ويمارس التنصل والتعتيم وحجب المعلومة حيالها ، ما يستدعي ان تشهد تحركا رسميا لجهة رقابية ، وما أكثر الجهات ، خاصة بعد ان شاب القضية شبهات مخالفة القانون ، ناهيك عن انها اطاحت بالصالح بعروى الطالح ، ممن تم تشغيلهم لحساب المشروع مؤقتا ، والحكومة التي تزعم الشفافية ورد الحقوق لاصحابها ، مطالبة أيضا بكشف تفاصيل القضية، خاصة وأننا أمام شكوى من آلاف الشباب والشابات المؤهلين ، يعتبرون انفسهم ضحايا التخبط الرسمي، والوساطة والمحسوبية النيابية والنافذة ، التي حرمتهم فرصة عمل قصيرة ومؤقتة ، معتبرين ما جرى بمثابة الفضيحة التي تستوجب المسائلة القانونية والاخلاقية والادبية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى