هل نحن لسنا مسخمين فعلاً ؟! / معاذ البوريني

هل نحن لسنا مسخمين فعلاً ؟!
تعجّب الكثير من المواطنين والتجار والشعب ” المسخّم” اليوم ، من خبر شراء مواطن أردنيّ للوحة سيارة أحادية رقم 7 ترميز 77، بمبلغ 522 ألف دينار أردني لا غير، وصار مادّة دسمة للتناول في جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وانقسم الناس إلى فيلقين ، الأول منهم بارك لصاحب اللوحة وتمنى له أن يستمتع بها ولو على مقدمة طائرة، فهو ماله و ” من حكم في ماله فما ظلم”، والفيلق الثاني من الشعب اتهمه باللصوصية أو بالسفه والتبذير على أقلّ تقدير حسدًا من عند أنفسهم.
أخبار مثل هذه برأيي لا تخدم سوى سياسة الرفع الذي تنتهجه الحكومة في هذه الأيام، فعندما يصرّح رئيس الوزراء هاني الملقي للنواب بأن الشعب الأردني ” لا يوجد فيه مسخّم ” وتتناقل وسائل الإعلام منذ الصباح تصريحاته مستهجنة هذا منه، وبعد سويعات قليلة يتناقل الإعلام نفسه فيديو لمزاد علنيّ على لوحات السيارات يصل لما يزيد عن نصف مليون في لوحة واحدة فقط، وهذا عندي له معنيان كما أظنّ، الأول أنّ رئيس الوزراء كان محقّا بما وصف فيه الشعب قبل يوم من بيع هذه اللوحة، وعليه أن يسير قُدما في سياسته الاقتصادية المستندة على جيب المواطن بنسبة 100%، ولا شيء غير المواطن، وهذا ما لا أراه حقيقة وأستعيذ الله منه ولا أراه حتى في أحلامي.
أما المعنى الثاني -الذي أحسد فيه معالي الرئيس- فهو أنّ الحظّ ولا شيء غير الحظ قد خدم معالي الرئيس في توقيت بيع هذه اللوحة بهذا السعر فاستفاد بلا قصد من الحادثة ليقنع الشعب بأفكاره الراسخة ونظرته الثاقبة للشعب الأردني وهو أمر مخيف جدا.
معالي الرئيس، إنّ هذا المواطن الذي رأيته ليس مواطنا عاديّا ، ولا يمثّل أيّ مواطن عاديّ من الشعب الأردنيّ، الذي قيّمتم دعمه اليوم بسبعة قروش، وكما ذُكِر فالرجل يملك أكثر من أربعين لوحة مميزة في حسابه، وهو يعمل في دبيّ ويدير أملاك والده هناك، وياليته أنفق مبلغ لوحاته هذه في إنشاء مؤسسة اقتصادية تخدم الأردنيين والشعب المسخمط الذي لا تراه، فيستحق عندها لقب المواطنة عن جدارة، ففي رأيي المتواضع فإنّ المواطن المليونير الذي يعيش خارج الوطن ويعمل ويستثمر أمواله خارج الوطن لا يتساوى حاله بباقي الناس الذين يعملون ويكسبون من أرض هذا الوطن،وهم السبعون بالمائة الذين لن يتأثروا برفع الأسعار كما ظللنا نسمع منذ أكثر من خمس سنين، وأنتم تعرفون كيف ينظر الناس إلى المغترب العادي الذي يذهب للعمل في دول الخليج مثلا من قِبل أقاربه وهو شخص عاديّ مثلنا، فكيف بالمليونير الذي يعمل في دبيّ- زاده الله مالا- فلا نحسده ولكن الهدف هو توضيح الفرق بين مواطن “سوبر” ومواطن مدعوم بسبعة قروش.
في الحقيقة لا أستطيع إلّا أن أتساءل: لماذا لا تتوجه الحكومة لسدّ العجز الموجود لديها ببيع 100 لوحة كهذه للموسرين الذي يسعون إلى التميّز في عالم السيارات وغيرها، بدلا من التوجّه لقوت المواطن ودوائه، ووضع الضرائب التي لا معنى لها غير الجباية مثل الضريبة المفروضة على (كتاب) في ظلّ عزوف عامّ عن القراءة، وكأنّ القراءة أصبحت للأثرياء فقط؟
هذا وقد لفت انتباهي العدد الكبير للحاضرين في هذا المزاد، الذي يؤكّد بعض الأفكار التي تدور في ذهن معالي الرئيس، لذا سأجيب الرئيس عنهم، الموجودون في تلك القاعة كانوا من أربعة أصناف، الأول هو قلّة من الأثرياء الذين لا يتجاوزون الخمسة بالمائة من الموجودين يريدون شراء لوحة، والثاني هم تجّار السيارات الذين يطمعون بتحقيق ربح سريع بشراء لوحة يعرفون بطرقهم كيف يجدون مشتريا لها، والثالث هم وسائل الإعلام من مصورين وصحفيين، والرابع هم رجال الأمن الموجودون من إدارة السير لتنظيم سير هذا الحدث، فلا يغرّنّك هذا العدد يا معالي الرئيس.
كم أشعر ببعد الفجوة التي تتّسع بشكل كبير، بين الحكومة وتوجيهات جلالة الملك حفظه الله الذي وجّه الحكومة أكثر من مرّة إلى ضرورة الرفق بالمواطن وتحفيز النموّ الاقتصادي، وكم يغيظني في حكوماتنا وجوب تدخّل جلالة الملك شخصيا ودائما لمنع تغوّل هذه الحكومة على المواطن كما حدث في أمر ضريبة الدواء اليوم.
وأخيرا أتمنى أن تتحقّق أفكار ورؤى معالي الرئيس الثاقبة – لجيوب المواطنين–فلا يبقى في هذا الوطن ” مسخّمين” أبدا، إلّا في عالم الروايات، فهي لا تقوم على الأبطال الأغنياء بل على الأبطال الفقراء تمامًا كحكوماتنا العربيّة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى