من الديوان إلى الديوان / ماهر ابو طير

من الديوان إلى الديوان

على مدى عدة أیام، خرج عشرات الأردنیین، من العقبة الى عمان، مشیا على الاقدام، في رحلة الشتاء والصیف، من اجل إشھار حاجتھم الشخصیة لوظیفة، وحاجة غیرھم لوظائف، أیضا، فیستقبلھم رئیس الدیوان الملكي، ویعدھم بوظائف، فیعودون الى العقبة، على أساس وعد بالعمل خلال أسبوعین، وھو وعد سیتحقق على الاغلب.

مثلھم خرج العشرات، من اربد وعجلون ومادبا والكرك ومعان، ومناطق أخرى، والقصة تحمل في طیاتھا دلالات كثیرة، فنحن امام نصف ملیون شخص بلا عمل، في بلد لدیھ نصف ملیون عامل عربي، فوق مئات آلاف العرب والأجانب الذین یعملون بلا تصاریح عمل، او بدعم من قروض وشروط من مؤسسات دولیة.

مھمة التشغیل كانت مھمة دیوان الخدمة المدنیة، لكن الذھاب الى الدیوان الملكي والاستجابة لھم تحمل دلالات كثیرة، ابرزھا ان ھذا ھو دیوان الملك، ولا یتم رد الناس عن بابھ، لكن الرسالة الاعمق، تتعلق بالدور الغائب للحكومة، فأین كانت الحكومة عن ملف التشغیل، حتى یضطر الدیوان الملكي، أساسا، ان یستجیب ویوظف ھؤلاء؟

مقالات ذات صلة

برغم ان جھات رسمیة قالت ان استجابة الدیوان كانت بالتنسیق مع الحكومة، الا ان ھذا الكلام یأتي دفعا للحرج، وھو حرج تتجنب الحكومة الخوض فیھ علنا، خصوصا وھي تعرف ان ملف البطالة على مائدتھا، لكنھا لا تفعل شیئا من اجل حل ھذه المشكلة، بل تتورط بقرارات اقتصادیة سیئة تؤدي الى اغلاق المصانع والمصالح التجاریة وزیادة عدد العاطلین عن العمل، فیما الدیوان بالمقابل یطلق رسالة معاكسة عبر شباب العقبة، قائلا ان مشكلة العاطلین عن العمل یتوجب حلھا، فیتجاوب مع القادمین.

تعلیقاتنا الجدلیة لا تتوقف، لأن بعضنا اعتبر خطوة تجاوب الدیوان الملكي مھمة، لكنھ سأل عن مصیر الوظائف المطلوبة لنصف ملیون أردني، او حتى للقادمین من معان والكرك واربد وعجلون ومادبا وبقیة المناطق، والكلام على صحتھ، یتناسى ان القصد كان عدم صد القادمین من العقبة الى دیوان الملك، بعد مسیر عدة أیام، فوق الرسالة الاعمق للحكومة، وھي رسالة علنیة، لأول مرة، تصدر بھذه الطریقة، مفادھا ان علیكم دورا، فأین ھو دوركم، ومعالجتكم لملف البطالة، في ظل توقیت تقوم فیھ الحكومة بالحصول على قروض ومساعدات مشروطة بتشغیل اشقاء عرب، او حتى في ظل سیاسات حكومیة، تؤدي الى اغلاق الوظائف الموجودة أساسا، بسبب الضرائب، والرسوم، والكلف؟

بطبیعة الحال، تحویل المھمة من دیوان الخدمة المدنیة الى الدیوان الملكي، یحمل رسائل إضافیة، مفادھا ان الدیوان یبقى فوق كل الحسابات، ویحل الإشكالات، ویتجاوب مع نبض الناس، وبالمقابل فإن الحل الذي تم كان ممكنا لو قررت الحكومة التحرك منذ شھورھا الأولى، وھي التي أعلنت عن ثلاثین الف وظیفة، وعن طموحات بلا حدود عبر بث الوعود في سمائنا، وفوق رؤوسنا واكتافنا.

رئیس الحكومة ذاتھ یقول انھ غیر قادر على تأمین مكتب لكل موظف، لكننا نسأل بحق اذا ما كانت سیاسات الحكومة، حكیمة أساسا، وھي التي تعاني من ترھل كوادرھا، ومصاعب دفع الرواتب، واستحالة التعیین، وھي سیاسات ترھق القطاع الخاص، الذي یعد طوق النجاة الوحید ھذه الأیام، لكن یتم سحبھ الى ذات بحیرة القرارات المالحة.

نحن ھنا، لا نتحدث عن منافسة بین الدیوان الملكي والحكومة، لكننا نتحدث عن مشھد صاغھ أبناء الجنوب في رحلة الشتاء والصیف نحو عمان، واستحالة صد الدیوان لھم، وھو یرى ان رسالة المتعطلین اعمق بكثیر من ثلة الشباب الذین تم استقبالھم، نحو ملف البطالة، وملف الأجور أیضا، الذي لا یناقشھ احد، على الرغم من معرفة الجمیع انھا أجور بائسة.

ما فعلھ الدیوان الملكي، كان ممكنا ان تفعلھ الحكومة، لكن الحكومة غابت عن القادمین من الجنوب والشمال، وكل المملكة، فتدخل الدیوان، لكنھ تدخل جزئي، یحل مشكلة ثلة من ھؤلاء، ویترك كل الملف عالقا امام الحكومة، لنرى الذي ستفعلھ، بدلا من التواري بعیدا؟

ولتفھم الحكومة، الرسالة جیدا، لأن الاستجابة لا تعني حض نصف ملیون أردني على المسیر نحو الدیوان الملكي، بل تعني سؤالا ینساب بنعومة: أین الحكومة عن ھذا الملف؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى