لسنا أغبياء ولا مغفلين
عُقودٌ مَضت ولا زلنا نعيش في أوهامٍ وأكاذيب ، لم تَصْدُق أي حكومةٍ وعدها ولم تبذل إحداها أية جُهود حقيقية لانعاش الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية ، فملهاة الاجندة الوطنية ، الاردن أولاً ، شباب كُلنا الاردن ، الديمقراطية ، النُواب والاعيان واللامركزية وغيرها لم تزد شيئاً إلا مُفاقمة الفجوة وإنعدام الثقة بين النظام السياسي والشعب ، وإتاحة المجال لفئةٍ قليلة لا تتجاوز نسبتها الـ 7% للاستحواذ على الثرواتِ و السُلطة والمناصب ، وبالمقابل لا زالت نسبة كبيرة مُتزايدة من أبناء الشعب جوعى، فقراء ومتسولين .
صبر هؤلاء الجياع على جوعهم وتهميشهم واقصائهم وتغييبهم والضحك عليهم والزامهم يومياً بالاستماع الى أغاني وموشحات لبطولاتٍ وهمية ” وحيطنا مو واطي..وارفع راسك انت اردني وغيرهما ” تخجل من إذاعتها الدول التي وفرت كل وسائل الرفاهية والحياة الكريمة لشعوبها ليعيشوا بعزة وكرامة وكبرياء ، هذه الاكاذيب والطبل والزمر والتصريحات الرنانة لم تصمد أمام وجه الحقيقة التي نعيشها وهي أنّ الواحد بل الإثنين منّا لا يُساوون فشكة “طلقة” – إذ تُعد عبارة ” انت ما تسوى فشكة ” تعبيراً عن الرخص والاهانة لدى الاردنيين – ما فَعلته الحُكومة من تسليم المُجرم الصهيوني الذي إرتكب جريمته في قلب العاصمة عمان إلى حُكومته سالماً غانماً يُعد إمعاناً في إذلالنا وتحقيرنا ، وتأكيداً على أنَّ لا سيادةَ لنا وأننا ننفذ إملاءاتٍ خارجية لا أكثر ، لنتصور أنّ حارس السفارة الاردنية في تل أبيب صَفع مواطناً صهيونياً على وجهه ! هل سينجو من العِقاب ؟ بالطبعِ لا إذ ستحاكمه اسرائيل في تل أبيب وستعزله حكومتنا هو وكل اقاربه حتى الدرجة الخامسة من أي عمل ، وستُلاحقه لعنة ” تعكير صَفو العلاقات ” لبقيةِ حياته !
يُعيدنا هذا المَشهد إلى قضية مَقتل القاضي رائد زعيتر ، يا تُرى أين هو القاتل ؟ هل تَمت مُحاكمته ؟ أم لا يزال حُراً طليقاً ؟ هل سيُحاكم القاتل هذه المَرة ؟ وإنّ كانَ سيُحاكم فعلاً فيجب – قانونياً – أن تتم مُحاكمته في أرض إرتكاب الجريمة أي في عمان وليسَ في تل أبيب ، ومن المُثير للسخرية ما يتداوله البَعض عن الحصانة وعن نية الكيان الصهيوني بمحاكمته ، إذ يُعد هذا إستغباءً وإستحماراً صريحاً لنا ونحن لسنا أغبياء ولا مغفلين! فهذا مجرم قاتل .
أما السادة النُواب الذين إنفجروا غيظاً من الاذلال والمهانة التي لحقت بنا فأقولُ لهم : البُكاء لن يُعيد ميتاً ولن يُبرئ جرح كرامتنا ، وإن كانت هُناك طريقة لرد شيءٍ من إعتبارنا فإنها تكون بإسقاط هذه الحكومة وتغيير النهج السياسي الذي أوصلنا الى الدرك الاسفل من المهانة ، وتشكيل حكومة وطنية – مع التشديد على أنّ تكون وطنية أي معروفة الهوية والإنتماء – ، وإن عَجزتم عن ذلك – وأنا مُتيقنٌ من عجزكم – فعليكم بتقديم إستقالتكم من هذا المجلس الذي لن يغير شيئاً من النهج السائد ، فاستقالة أيٌ منكم ستجعله عنوانا ورمزاً لكل الباحثين عن كرامتهم وعزتهم وستؤسِسُ لمرحلةٍ جديدة عُنوانها مُحاسبة كل من بَدد وسرق ونهب ثرواتنا وفرط بسيادتنا وكرامتنا