خاص سواليف
مقال الثلاثاء 22 – 6 – 2021
في بداية هذا القرن أن تقود باص “كوستر 2000” فهذه غنيمة يتنافس عليها السوّاقون عند صاحب الشركة، لا بل يقدّمون تنازلات في الراتب ويقوموا بتوقيع تعهّدات مفتوحة في سبيل أن يركبوا “كوستر2000”..بالمقابل يحرص ركّاب الخط كذلك ، أن يصعدوا إلى الحافلة الجديدة برفقة السائق الجديد طمعاً بمزيد من الرفاهية…
في السنة الأولى يحرص سائق كوستر 2000 على غسله كل صباح كما يحرص على تلميع الإطارات ووضع الزينة على (التابلو) والاهتمام بالأضوية الأمامية وتركيب “الزينون” ، كما يصر على أنه يكسوه بالستائر الخمرية او الزرقاء الداكنة لتجميل الحافلة وكسب راحة الركّاب ، في السنة الثانية يتراجع الاهتمام بالحافلة قليلاً ،ولا يعود الغسيل يومياً ولا غيار الزيت دورياً، في السنة الثالثة تبدأ عبارات “مشان الله اغسلني” تكتب على الزجاج الخلفي وعلى جوانب الباص المتسّخة بالطين.. في السنة العاشرة, “الباص بيهرّب زيت وبيطلع دخنة والمكّيف معطّل والواجهة الأمامية بحاجة الى حدادة لكثرة الصدمات في تنكات النضح اثناء السباق اليومي”..
السنوات التالية ، الكراسي غير مريحة والستائر ممزّقة ، وصوت ضجيج الماتور يسمع من مسافات بعيدة،والركّاب منزعجون، يصيح القلة منهم “يا معلّم ع مهلك ع المطبّات” ينظر السائق في المرآة بمنتهى الملل والاستخفاف، ويغير شريط الأغاني من “انا نمبر ون” الى ” على إيه الطبطة”..يدخل في حفرة كبيرة تكاد أن تشطر الحافلة الى نصفين، يصيح نفس الركاب القلائل “هي يا حجّ..مش شايف الجورة”..ينظر في المرآة الخلفية من جديد دون أن يلتفت اليهم..ويغيّر الشريط المناوب لــ”مجوز”، تارة يخالف السير ،وتارة يدخل في مناطق ممنوعة ،وأخرى خطرة وثالثة وعرة ..”يا خوي مشان الله تسوق زي العالم” يصيح أحدهم..لكن دون أي اكتراث، يتجّه سائق الكوستر الى نزول حاد شديد الوعورة ، غير معبّد معتقداً أنه سيقصّر مسافة الوصول ، “يلبّس الغيار الرابع”..ويحل القير، وتنزل الحافلة بسرعة جنونية في الوادي السحيق..
ركّاب الحافلات العمومية عادة ما ينقسمون الى ثلاثة أقسام ، المستيقظ منهم والذي يرى الطريق من النوافذ الجانبية والواجهة الأمامية ويعرف ألى أين تتجه الرحلة ،والقسم الثاني النائم أو المتظاهر بالنوم وهم الأغلبية ،والقسم الثالث غير المبالي..وهو الذي يرى ويسمع كل ما يجري ولا يتّخذ موقفاً ولا يحاول أن يوصل خوفه ولو بطرق على النافذة…في ظل السرعة الكبيرة التي ينزل فيها كوستر 2000 بالمنحدر وواضح ان القير محلول والفرامل معطلة بالكامل ، ثمة “ختيار” يجلس في الكرسي الخلفي مطأطئ رأسه إلى أسفل ويركزّ نظره وانتباهه بين رجليه ، إنه يلفّ “سيجارة هيشي” بمنتهى الدقة والعناية ،الختيار : خليط بين الأقسام الثلاثة من الركّاب، هو يعرف الى أين تتجّه الحافلة ،لذلك لا يراقب التفاصيل من النافذة ، ويعرف ماكنة المركبة وسيرتها مع الإهمال، ويعرف أن صوته واحتجاجه سيقلب شريط الأغاني فقط ..لذلك هو يريد أن يظفر “بسيجارة هيشي” أخيرة قبل أن تخلص الرحلة…
أنا ختيار الكرسي الخلفي..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
كلنا ختيارية الكرسي الخلفي
كل يوم تتحفنا بمقال أبلغ وأعمق من الذي يسبقه
انت من تضع يدك على الوجع
لست وحدك ختيار الكرسي الخلفي فكلنا أرغمنا على ان نجلس في الكرسي الخلفي حتى لا نعرف ولا نراقب ما يفعله السائق بكوسترنا
لا تستهين بسيجارة الهيشي يمكن بالآخر ريحتها تعمي السايق وتخليه يضرب بريك او يوقف