فذكّر ان نفعت الذكرى

فذكّر ان نفعت الذكرى
د. هاشم غرايبه


تساءل أحدهم: أين وعد الله بنصر هذه الأمة؟، ألا ينبئ ما نراه في #فلسطين من تفوق في موازين القوة بعكس ذلك!؟.
لقد أوضح الله تعالى للناس أن المؤهلين لدخول الجنة هم المؤمنون، ولما كان العطاء على قدر المعطي، لذا فسلعة الله التي يعرضها غالية.. فما هي استحقاقاتها؟
لا يكفي مجرد نطق الشهادتين وأداء العبادات والتوقف عند ذلك، فالمنافق يفعل مثل ذلك، لذا فمعيار التمييز بين الإيمان والنفاق، أن يوطن المرء نفسه على الجهاد بماله وعلمه ونفسه في سبيل الله: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ” [صحيح مسلم: 3533].
من دلالات الإيمان، يقين الإنسان بأن من منح هذه النفس الحياة هو صاحب الأمر، فإن طلبها منه فهي حقه المستعاد، لذلك تكون بضاعته التي يعرضها على الله هي نفسه وما يملك، مقابل بضاعة الله الأغلى والأنفس وهي الجنة، فيضع نفسه وماله تحت الطلب، متى ما أرادهما الله قدمهما، عند ذلك تكون التجارة الرابحة: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ” [التوبة:111].
الإبتلاء والتمحيص هي السنة الإلهية الأولى، والتي خلق الله الدنيا لتحقيقها، لذلك لا يمكن أن يصرف أحداث هذا الكون بأن يعم السلام والوئام بين الناس، وينتهي الظلم ويسود الإخاء والمحبة، فلو تحقق ذلك لما كان مطلبا للناس دائما، ولما اجتهد الأخيار لتحصيله، ولما جاهدوا لتحقيقه.
ولما كان المؤهلون لدخول الإمتحان هم #المؤمنون فقط، لذلك لا تصيب الأحداث الجسام ولا تتعرض للخطوب والحروب والاحتلالات أمم أكثر من الأمة الإسلامية.
فكانت إرادة الله في آخر الزمان أن يكون التمحيص النهائي، بأن يمكّن المعادين لمنهجه من زرع الكيان اللقيط في قلب ديار الإسلام ليبقى مصدرا للشرور والمظالم فيها، فيمتحن أمته في صدق إيمانهم، ويكشف المنافقين الذين يسول لهم حرصهم على دنياهم الرضوخ له والقبول باحتلاله أرضهم، ويتيح المجال للصادقين أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فيتأهلوا لنيل سلعته الغالية.
هكذا نرى سنن الله الدائمة في أمته، قد اجتمعت في وجود هذا الكيان:
1 – السُنّة الأولى تحقيق ما كتبه الله في التوراة، وفي القرآن في سورة الإسراء، فكان وعيدا لبني إسرائيل بالعلو في الأرض مرتين ثم قصمهم في المرتين، ووعدا للمسلمين بالنصر والتمكين.
لقد أراد الله لبني اسرائيل العلو أولا حتى يكون السقوط مدويا، في المرة الأولى تمثل ذلك بأن ضرب عليهم الذلة والتشتت، أما في المرة الثانية سيجمعهم من كل بقاع الأرض “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” [الإسراء:104] ، لأن القصم سيكون ماحقا لهم جميعا.
حتى يتحقق ذلك، يجب أن يحتل اليهود أرضا للمسلمين، وتحديدا التي فيها المسجد الأقصى بدلالة أن بيان ذلك جاء تاليا لذكر حادثة الإسراء اليه.
ولما كان العلو الثاني هو المقدمة الأولى لتحقيق وعيد الله ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ “، لذا فهو أيضا بشارة بقرب تحقق وعد الله للمسلمين بالنصر “وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة” [الإسراء:7].
2 – كما أنه تعالى مكن لهذا الكيان في الأرض، بتأييد ودعم من كل معادي منهجه لكشف حزب الشيطان، فاجتمع الأوروبيون والأمريكان والروس والصين والهند وباقي شراذم الأرض التي تتبعهم على دعمه وتأييد أفعاله الشنيعة في التنكيل بالفلسطينيين، لكي يركم الخبيث على بعضه.
3 – تمحيص المجاهدين من القاعدين: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” [آل عمران:142].
4 – أراد الله بذلك أن يكشف المنافقين من بين الأمة بتخاذلهم عن نصرة المجاهدين الذين يناجزون العدو، والذين ظهروا بوضوح وهم يلومون المقاومين على إزعاجهم للعدو (قصة الصواريخ العبثية).
5 – كما أراد الله إظهار الحق وإبطال الباطل، فالمجاهد الحقيقي هو الذي انتصر للمحتجين على سلب بيوتهم في الشيخ جراح وغيره، والمرابطين في الأقصى لحمايته من تدنيس الصهاينة، فأنذر الكيان حتى الغروب، ثم وفى بما وعد، غير آبه بما ناله بعد ذلك.
أما الآخرون الذين يحسبون أنفسهم مقاومين، فقد وقفوا يتفرجون من بعيد، ليثبتوا أنهم مجرد ظاهرة صوتية، ميدان نضالهم المسيرات والمهرجانات الخطابية.
وليثبت مرة أخرى أن المجاهدين الصادقين هم المقاومة الإسلامية: (حماس والجهاد الإسلامي).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى