“طمُـوح الشَّعـب أنْ يشبـع أصحـاب السَّعـادة” / عبد الكريـم فضلـو العــزام

“طمُـوح الشَّعـب أنْ يشبـع أصحـاب السَّعـادة”

كُـل عِـدّة سنـوات يشهَـد الشعب تشكيـل حكومـة جديـدة، و كُـل عِـدة سنـوات يتوجّـه الشعـب إلى صناديق الاقتراع ليختار نوَّابه إلى قبّـة البرلمان. وبعدها يعيـش الشعـب لِيـرى العجائِـب مِن وزرائِـه و نوَّابِــه وفي السَّنـوات الأخيــرة منها بخاصَّـة.
يـرى الشعـب أصحـاب السَّعـادة و هُـم يتسابقُـون وراء الفرائِـس والغنائِـم مُزمجِريـن (و مُهَمِّرين) لينالـوا منها ما لا يُشبِع نَهمهُم لأن الصَّيـد مهما كَـثُـر فإنَّـه لا يكفيهـم ويكفـي عائلاتهـم و أقاربهـم و مـن له خيـط نسـب معهم، ولهذا تجدهم دائماً متحفزين يقظين لاقتناص صيد و فرائِـس جديـدة على مـدى سنـوات خدمتهــم. شعـارهم في الخِـدمـة أنَّ هــذه (جُمعَــة مُشمُشِيَّــة) لا تُفَــــوَّت.
يتبـادل أصحاب السَّعــادة الأدوار فمـرَّة يكـون مُطارداً و مـرّة يكــون صائِــداً و مَـرّة يكـون حارساً و مُدافعا عـن الصائديــن ليأكُـلـوا ويهضِمــوا فريستهُـم دون خَــوف أو نكـد.
أمام هـذا المشهَـد يقِـف الشعــب مُتفرّجا ليـرى ثِـمـار جُهــده، كَـدّه و تـعبِـه تتساقـط فرائِــس في يـد حفنة لم تتعـب و لم تشقَ، يراهم مُتخمي البطون ينامون تحت ظِــلِّ ظليــل وحولهـم أبناؤهم و أحفادهـم وأصهارهـم يرقصُـون ويلعبـون، وإذا أبـدى شخصٌ امتعاضه أو اعتراضه أو حتى ألمه و حسرته في قلبـه فإنّـه يُنعـت بعـدم الولاء والانتمـاء وأن سلوكـه هـذا يضُرّ بالوطـن.
هل أصبـحت هـذه الحِفنةُ هي الوطــن؟ الوطــن الـذي يُمثـِّـل دور الأب والأم الـرؤوم، نَسِــي هــؤلاء أو تناسـوا و تعامـوا عن أن الوطـن ، صانَـه الحرَّاثـون والحصَّـادون والحجَّـارون والعسكـر، فـي الوقـت الـذي كانُـوا هُـم فيـه يقتنصُـون الفُرصـه لينقضُّـوا على مُدَّخرات الوطـن وأبنائِه المخلصيـن.
نسـي هؤلاء أن الوطـن حَفِظَـه مَـن كانُـوا يمشُـون حُفـاة عُـراة لا يشبعُــون الخُبـز و كانوا مع ذلك لا يُفرطون بذرة تراب واحدة من تراب الوطن لا بيعاَ ولا تأجيراً ولا حتى أن يمُـرّ من فوقها من يُدَنِّس طُهرها.
حفـظ الوطـن من كانُـوا لا يخافُـون في الحَـق لومَـة لائِـم يَـردُّون (العايِـل) ويضعُـون المِخـرز في عيـن كُـل مُتطاوِل، ولا يُمكِـن أنْ يرضَـوا أو يوقّعـوا على شـيء فيـه ظلـمٌ للآخرين أو اعتداءٌ على حقوقهـم.
هؤلاء هُـم مَـن صانُـوا الوطـن و كرامتـه ولم يسعـوا يـوماَ لإيقـاعٍ بـه أو ضرر، عندما كانـوا يقولـون (الوطـن) يدركـون ما يقولـون ويعرفـون ما عليهـم مِـن واجِـب ولا يستخدمـون الوطـن تُرسَـاَ يختبئُـون خلفَــه.
هؤلاء الذين يدّعُـون الوطنيّـة والغيـرة على الوطـن كم رأيناهُـم وهُـم يأخُـذون حقُـوق الآخريـن لأنفسهـم بشكـلٍ مباشِـر أو بالواسطـة، حقـوق الآخريـن من تعيينـات وترفيعـات و مواقِـع مُتقدمـة و ما تطالـه أيديهـم، و كـم رأيناهُـم يورثـون المناصـب والمواقـع لأبنائهـم، ويطلبـون مـن الشعـب أن يبارك أعمالهم وخطواتهم، يُريدون من الشعـب أن يذهـب للمباركـة للوزيـر والنائـب والمترفّـع ويدعـو لهـم أن يوسّـع الله لهـم في صيدهـم دون مشقّـةٍ أو تعـب وأن يراهُـم الشعـب ويـرى أبناءَهـم في أعلـى المراتِـب يعيـش كُـل واحِـد منهـم شبعـان ريّـان دفيان.
لكـنَّ للشعـبِ دُعـاء آخَـر يُرَدِّده في نفسِـه مِـن صَحيانِـه حتّى نومِـه، أن يَـرى المتطاوليـن على حقوقِــه تحـت عقاب الله في الدنيا والآخرة.
كُلُـوا يا أصحاب السّعـادة، و تمتَّعوا يا أصحاب السعادة، وورّثوا لأبنائكم وبناتكم والحبايب، تمتعوا بالفُرجة على الشعب الجائِـع وعلى الشباب الذي لا يجد ثمن رغيف الفلافل، الشباب الذين بعضهم مضى عليه ربع قرن ينتظر العمل في الوقت الذي يتعيّن فيه أبناؤكم قبل إكمال دراستهم الجامعيّة، يتعيَّـنـون وهم يعرفون سلفا أنهم إما وزراء أو نوّاب أو أصحاب سعادة سُجِّلـت أسماؤهم في لوحة الشرف منذ أن وُلِـدوا وكانوا في ( اللفاع).
سيظـل الشعـب يكـدّ و يتعـب دون كلـلٍ أو ملـل لأنّـه مؤمِـن بأنّ الوطـن هـو الشّـرف وأنّـه الهـويّــة و مكـانُ الولادة والممات والبعـثِ يـوم القيامـة، أمّا أنتـم يا أصحـاب السّعـادة فاصنعـوا ما بدا لكم ما دامَـت الأمُـور معكـم مُقبلـة طبقـاَ للمثـل الشعبـي (غـنِّيـلهـا يـا اللِّي صفَـت لـك) و تذكّـروا دائِماَ أنّ الظُّلـم ظلمـاتٌ يـوم القيامة وأنّ الإنسـان لا يُشبِعه إلا التُّراب الذي يُحثى فَـوق رأسِـه فـي حُفـرة القبــر.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى