سرقة المياه والتطاول على الولاية العامة.

سرقة المياه والتطاول على الولاية العامة.
د.فلاح العريني
هل صار علينا لزاماً أن نتكلم حتى يكون هنالك تحركاً؟؟
هل نحتاج في كل مفسدة إلى قضية رأي عام حتى تتحرك مؤسسات الدولة الأردنية؟
لمن السيادة اليوم؟
مثل السؤال اعلاه لايأتي على لساني الا وقد ايقنت تماماً ان القرار في مهب الريح، وان السيادة على المحك.
ولمن لايعلم فإن مفهوم الدولة يُبنى على ثلاثة عناصر:
الاقليم والشعب والسيادة، والعنصر الضامن لبقاء الدولة هو عنصر السيادة لامحالة.
ومن يملك السيادة، يملك القوة وفرض السياسة، سواء على المستوى الداخلي او الخارجي.
ولايمكن لأي دولة في العالم ان تتنازع السيادة فيها اكثر من جهة،
لأن السيادة بمفهومها الحسي تتمثل في عمل واقعي يرعى شؤون البلاد من قبل مجموعة من الاشخاص بينهم توافق لحماية الصالح العام، وهذا المجموع يسمى بالحكومة، والحديث عن ولاية الحكومة ونشأنها وتكوينها يطول وليس مجالا للحديث عنه هنا.
بقي ان نقول ان الحكومة الأردنية تمتلك من السيادة بالقدر الذي تعمل فيه من اجل الصالح العام، من خلال تفعيل القوانين وتطبيقها بما يضمن العدالة وعدم التطاول على حريات الافراد.
ظهر قبل ايام معالي وزير المياه، ليفجر قنبلة خطيرة في وجه الحكومة الأردنية، مسببا لها الحرج، حتى افقدها ولايتها وانتقص من سيادتها بالقدر الذي يقترب من تلاشي هذه السيادة.
ذكر معالي الوزير أن هنالك سرقة للمياه بشكل دوري ومتعمد، وموطن الخطورة هنا يكمن في مجموعة من التوضيحات التي جاءت صراحة لاتدع مجالا للشك او الريبة خصوصا انها جاءت على لسان مسؤول في الحكومة الأردنية يعي مايقول، وقد جاءت اعترافاته بالصوت والصورة بالقدر الذي يمنعه من النفي للحقيقة الدامغة التي ادلى بها.. وتالياً هذه التوضيحات:

أولاً قال وزير_المياه:

“نعم فيه ناس بيسرق من شبكات المياه لغايات الزراعة، وناس بيسرق لغايات بيع المياه في الصهاريج”.
اذن الغاية من السرقة الزراعة والتجارة، فإذا كانت الحكومة الأردنية تعلم علم اليقين ان سرقة المياه توظف لغايات زراعة اراضي تعود لاشخاص يعتمدون في ري مزارعهم على هذه المياه المسروقة من قبلهم، فهذا يعني ان الحكومة ايضا تعلم هذه الاراضي وموقعها وملكيتها، واذا كانت الحكومة الأردنية تعلم ايضا ان هذه المياه تباع بالصهاريج فإنها بالتأكيد تعلم ماهية هذه الصهاريج وملكيتها ايضا.
ولذلك فإن الحكومة الأردنية تغض النظر عن ثلاثة جرائم تعلمها علم اليقين وهي:
١.جريمة سرقة المال العام والمتمثل بسرقة المياه من شبكات المياه الرئيسية والتي تعود ملكيتها للنفع العام.
٢.جريمة التقاعس في متابعة مصادر الري للاراضي الزراعية من حيث مشروعيتها وصلاحيتها لري المزروعات والتي قد تؤثر على صحة المواطن فيما لو كانت مياه الري ملوثة كأن يكون مصدرها مياه المجاري ومياه المصانع العادمة.
٣. جريمة التستر على عمل صهاريج المياه من حيث صلاحيتها ومصدر المياه التي تقوم ببيعها.
فهذه الجرائم الثلاثة كفيلة في دولة المؤسسات والقانون ان ترمي بالحكومة ارضاً وتقديمها للعدالة.

ثانياً قال وزير_المياه:

“هؤلاء اسماءهم معروفة عند وزارة المياه”.
ان مراقب المياه والمفتش في سلطة المياه يمثل الضابطة العدلية..
وينص القانون على وجوب اخبار المدعي العام في حال حدوث اي جناية او جنحة او مخالفة، ومادامت وزارة المياه تعلم بوجود هؤلاء السارقين وتعلم اسماءهم بما لايدع مجالا للشك، فإن موظفي الوزارة والذين يمثلون الضابطة العدلية بموجب طبيعة عملهم، قد اظلوا العدالة وتستروا على جرم مشهود، مما يستدعي مساءلتهم ورئيسهم المباشر ان كان على علم بذلك، والوزير هنا هو الرئيس المباشر ويعلم بتلك المخالفات بموجب اقراره بعلمه عبر القناة الفضائية التي استضافته.

ثالثاً قال وزير_المياه:

“هنالك خمسة اشخاص في جنوب عمان منذ ٢٠١١ وهم يسرقون سنوياً ٨ مليون متر مكعب من شبكات المياه الرئيسية”
من خلال ماتفضل به معالي الوزير نجد ان الفساد ليس وليد اللحظة، بل منذ سنة ٢٠١١، بمعنى ان هنالك اكثر من حكومة مرت على الأردن وهذا الفساد الفاضح للعلن قائم وقابع رغم انف الحكومات..
فعن اي ولاية للحكومات المتعاقبة نتحدث وسط هذا الفساد والاذعان الحكومي والتستر على جريمة نكراء استخدمت سلاح العطش في مواجهة شعب بأكمله؟
وعند الحديث عن كمية المياه المسروقة والبالغة ثمانية مليون متر مكعب سنويا، اي ثمانين مليون متر مكعب خلال العشرة سنوات التي بدأت باكتشاف هذه السرقة..
فمثل هذه السرقة تصنف ضمن الجرائم الاقتصادية لما الحقته بالخزينة من سرقة مالية ممثلة بثمن هذه المياه المسروقة والتي لو حسبت على اساس تجاري لبلغت مئات الملايين من الدنانير الأردنية التي ذهبت لجيوب خمسة اشخاص لاسادس لهم..
وتقع هذه الجريمة ايضا ضمن نصوص قانون العقوبات تحت فصل جرائم امن الدولة، فعطش الشعب ليس اقل اجراماً من قتله والاخلال بأمنه..
فكم شهدت مناطق المملكة من مظاهرات واحتجاجات الهبت الشارع بسبب شح المياه ونقصها، وحكومتنا تعلم ان هنالك من سرق ومازال يسرق حق المواطن في شرية ماء..
اضف إلى ذلك ان كمية المياه المسروقة تساوي او تزيد على كمية المياه التي اشترتها الحكومة الاردنية من جيرانها المحتلين لفلسطين.
فالحكومة القادرة على مفاوضة العدو من اجل شربة ماء بالتأكيد قادرة على المحافظة على مياهها من عبث العابثين والضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه التطاول على حقوق الشعب، لكنها حكومة لاتريد ذلك اما لأنها مغلوب على امرها او شريكة بالفساد، او ان هنالك من سحب الولاية من تحتها واصبحنا في ظل حكومة السر.
اما الحديث عن مكان السرقة بجنوب عمان فهذا يعني اتهاما صريحا لسكان المنطقة، فإما ان يثبت الاتهام بالادلة او نفيه نفيا قاطعا، ولايكون ذلك الا بموجب حكم قضائي، مما يستدعي تحرك الحق العام في مواجهة هذه الجريمة.

مقالات ذات صلة

رابعاً قال وزير_المياه:

“هؤلاء ليسوا متنفذين ولكن لديهم خلفيات عشائرية”.
سبق في بداية مقالي هذا ان بينت ان السيادة تقاس بمقدار ماتقدمه للصالح العام، والولاية جاءت لتنفيذ هذا الصالح العام ضمن قواعد السيادة، وعليه فالحكومة الأردنية هي صاحبة الولاية العامة، ولكننا نجد بين طيات حروف معالي الوزير مصطلحين مرعبين، لا اساس لهم في الفقه الدستوري الذي على اساسه نشأت الدول، مصطلح المتنفذين، ومصطلح العشائرية.
نحتقر المصطلح الاول ونحترم الثاني وفق نطاق لانتجاوزه.
ففي تصريح الوزير اعترافاً صريحا بوجود متنفذين في الوطن، ربما نفى وجودهم ضمن سرقة المياه ولكن مجرد ذكرهم فهم متواجدون في مواضع اخرى..
وكمواطن اردني منحني الدستور حق السؤال:
من هم هؤلاء المتنفذون؟
ماهي صفاتهم وذواتهم؟
من اين استمدوا نفوذهم؟
من يقوم على حمايتهم ويوفر لهم الشرعية؟
مامدى تاثيرهم على ولاية الحكومة وسيادة الامة؟
ما نطاق عملهم ضمن نفوذهم، وبمعنى آخر هل نفوذهم سياسي ام اقتصادي ام كليهما؟
هذا مصطلح يجب عدم تمريره بسهولة ويجب الوقوف عنده لان معظم الشعب ضحية لامثال هؤلاء..
بسببهم حرمنا الوظائف ونيل الحقوق، وبسببهم تولد لدينا الظلم والقهر والشعور بعدم الرضا وانعدام الامان الوظيفي.
اما المصطلح الاخر وهو الخلفيات العشائرية، فالكل يعلم ان العشيرة ركن من اركان الدولة الاردنية والضامنة الحقيقية لوجودها، واعتدنا على مدار عمر الدولة الأردنية ان تكون العشيرة سندا ودعما لامتناهيا للدولة في سبيل فرض سيادة القانون والحفاظ على المكتسبات، هذا عهدنا بالعشائر الاردنية.
كما ان العشائر اذا انتفضت يوما، لم يكن سلوكها هذا الا خوفا على وطن اصبح بين يدي زمرة من الفاسدين والناهبين لحقوقه..
وعليه فإن الزج باسم العشائر بهذه القضية يحتاج ادلة وبراهين، ووجود متنفذ يحمي اركان العشيرة واقطابها ويحمي مظاهر الفساد فيها لايعني بالضرورة ان تتحمل العشيرة وزر سلوك احد افرادها..
فالعشيرة تمثل المجموع وان قل نفوذه وتدحر القلة وان طغوا..
وفي الختام يجب ان نفعل مفهوم دولة المؤسسات وتطبيق القانون على جريمة تصنف تحت قائمة الجرائم المستمرة، حفاظا على هيبة الدولة الأردنية ولتشكيل مايسمى بالردع العام..
حفظ الله الوطن باركانه وبنيانه..
والله من وراء القصد.

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى