دولة القانون والمؤسسات!

دولة القانون والمؤسسات!
م. عبد الكريم أبو زنيمة

مع طي الصفحة المئوية لتأسيس إمارة شرق الأردن، والتي تعد من أهم محطات التاريخ الأردني، نتسائل: ألم تكن الـ100 عام المنصرمة كافية لبناء دولة مدنية؟ وهل هو حقيقي ما يردده إعلامنا بأننا دولة القانون والمؤسسات؟ لو كنا كذلك لما كان كان طموحنا –للأسف- العودة إلى ما كنا عليه قبل سبعين عاماً والى دستور عام 1952، في تلك الأيام كنا متقدمين جداً على كوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها الكثير من الدول التي أصبحت اليوم في مصاف الدول المزدهرة، دول دُمرت بالحرب العالمية الثانية ونهضت من تحت الركام ونمت وازدهرت، هذه الدول لم تتطور بالأهازيج والأغاني والتزييف والتزوير وإنما ببناء الدول على أُسس ديمقراطية وتطبيق سيادة القانون على الجميع دون استثناء لأيٍ كان.
دولة القانون والمؤسسات تعني وجود وثبات وتحصين الدستور الذي يعتبر التشريع الأساسي للدولة، وهو الذي يقيد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بأطر قانونية لا يمكنها الحياد عنها ولا التلاعب بها، حيث يكون ويعمل الجميع تحت سقف القانون الذي يصدر عن هيئات منتخبة ديمقراطياً تمثل الشعب وتمارس سيادتها باسمه “مراقبة ومحاسبة الإدارة التنفيذية” وبهذه الحالة لن يستطع أي كان من تجاوز حدود صلاحياته وبذلك تسود العدالة وتكافؤ الفرص والذان يعتبران أهم مدخلات وقواعد التطور.
من أهم سمات دولة القانون والمؤسسات حمايتها لحقوق وحرية الأفراد وتحصينهم من تعسف السلطات العامة وضمان حقوقهم في تأسيس نقاباتهم وجمعياتهم وأحزابهم وكل ما يتعلق بما يعود عليهم بالمنفعة الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، فأساس وركيزة وهدف دولة القانون والمؤسسات هو الفرد، ومن هنا تأتي أهمية الفصل بين السلطات لأنها تؤدي إلى صيانة حقوق الإنسان وحرياته ومنع التعدي عليها وتضمن احترام القوانين والالتزام بتطبيقها من قبل الأفراد ومؤسسات وهيئات الدولة، وهنا تكمن أهمية استقلال القضاء ليؤدي دوره في المراقبة القضائية على أعمال السلطة التنفيذية ومدى التزامها وتقيدها وخضوعها لسيادة القانون ومحاسبة أي كان ممن يمارس عملاً عاماً مع التأكيد على حظر أي نص في القوانين من تحصين أي فرد أو اي قرار أو عمل من رقابة القضاء أو الطعن.
لبناء دولة القانون والمؤسسات وديمومتها لا بد من تطبيق النظام الديمقراطي لتداول السلطة “برلمان منتخب غير خاصع إلا للسلطة التشريعية” والذي يعتبر ضمانة لدولة القانون وغيابه يعني فشل كلي للدولة، إن النظام الديمقراطي الذي تتبع له الأجهزة الرقابية والمحاسبة وتخضع له الموازنة العامة للدولة بكل تفاصيلها يمنع المسؤولين من العبث بعناصر الدولة ومواردها، حيث أن الشعب هو من يختار مسؤوليه وهو من يتولى مراقبتهم ومحاسبتهم، وهنا يبرز الدور الحقيقي لقوة الرأي العام في الحد من مخالفة المسؤولين للقواعد القانونية ومعاقبتهم إن ما ارتكبوا أية مخالفات لما لوسائله الحرة المتعددة كالصحافة والاعلام المكتوب والمرئي من تأثير كبير على توجهات الشعب من ناحية، وضبط سلوك وأداء المسؤولين من ناحية أخرى.
بعد هذه المقدمه البسيطة عن ميزات وسمات وخصائص دولة القانون هل نستطيع الادعاء بأن دولة تبيع كل ممتلكاتها دون علم ورغبات شعبها وتتبخر أثمانها لتمطر في بنوك الغرب بأنها دولة قانون ومؤسسات! هل تعد الدولة التي تهيمن فيها السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وتتبع لها هيئات وموسسات الرقابة وتعبث وتزور الانتخابات البرلمانية، بأنها دولة قانون ومؤسسات! دولة لم تحاسب أحداً على فشل الكثير من المشاريع الفاشلة التي أُنفقت عليها الاموال الطائلة والجرائم الاقتصادية الكبرى هل هي دولة قانون ومؤسسات! هل الدولة التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبذات الوقت تُفّعل قوانين الطوارئ بأنها دولة القانون والمؤسسات! هل الدولة التي في المادة الاولى من دستورها أن الشعب مصدر سلطاتها وبذات الوقت أن المغيب هو الشعب هي دولة قانون ومؤسسات! هل الدولة التي حكومتها التنفيذية تضرب بعرض الحائط ارادة شعبها ولا تنصاع لقرارات مجلسه النيابي “المزور” هي دولة قانون ومؤسسات! سيبقى هناك الف سؤال هل..هل.. إلى أن نحتفل بالمؤية الثانية ما دام الدستور يفصل على الرغبات والأهواء لتبقى الدولة مسلوبة الارادة ورهينة التسول وفي دائرة الفشل، سنبقى في عصر إنجازات التطبيل ومعلقات المدح ما دامت السجون خالية من لصوص المال العام ومكتظة بمعتقلي الرأي المخلصين والمنتمين لوطنهم والعاشقين لترابه!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى