دكتور ما بعرف يقيس ضغط

دكتور ما بعرف يقيس ضغط ( قصة حقيقية )

د. حسام عودات


( طويله شوي ، بس عادي ما احنا حظر وطفر وقلة زفر )
لست نادما على مهنة أورثتني الشقاء , فكم تعالى الدعاء لنا في ليل العابدين , وكم زمجرت الحناجر عند مرضانا , بشكر ومودة تزيل عن القلوب وحشة العناء . وها هي أعمارنا سهر وسهاد على راحة العباد . وكما الطرفة تقول : عمرني ما نمت , الا ولقيت الحلم قرّب يخلص .
بعد تخرجي بأشهر جاء قريبي الى بيتنا برفقة زوجته قبل منتصف الليل بقليل , كانت الريح عاتية وقد سرق الشاكر من سيبيريا يوما باردا من سمائها .
كانت في الشهر الثامن من حملها , والصداع لم يبارح ناصيتها منذ عصر ذلك اليوم العسير , ضغطها كان عاليا , تماما كحالنا ليلة رفع أسعار السلع والمحروقات , مع أن برنت قد هوى , وطماطم الأغوار ما زالت تسابق الدجاج في فواحش الأسعار .
لم يتردد قريبي في أخذها للمشفى بعد نصيحتي , لكن دليلهم قد احتار , فلم يكن أمام بيتهم كيا ولا أفانتي , وفي وقت حتى الديك فيه قد غفا , من سيجالس الصغار ؟؟؟ . وليس فيه من ساهر غيري , الا المتهجدين في الأسحار .
وفي صباح اليوم التالي من برد المتجمدات من أقطابنا , كانت خيبة الأمل بادية على وجه والدي , بعد أن عاتبه قريبي عند المخبز , فلقد ذهبوا للمشفى ولم يكن ضغط زوجته مرتفعا كما أخبرتهم , وعادوا بسفط من الريفانين . بعد عناء وزمهرير , وبعد بكاء من صغارهم وأنين .
أيقظني والدي من نومي وقد تأبط شرّا , فلم يعاتبني على رقص الديسكو أيام الجامعة في سنوات جهلي , بل على سبع سنوات لم أتعلم فيها قياس الضغط للعليل .
لم تشفع لي عنده كل الذرائع , وقد نسي كتب الشكر التي وصلته من وزير التعليم العالي على تفوقّي , ولم يصدّق قسمي بكل الشرائع . وها هو الشاعر قد وردته أنباء خيبتي يوم قال : الى أن تحامتني العشيرة كلها , وأفردّت افراد البعير المعبّد .
وما أن أطلّ المساء كالأحوى , حتى جاء الفرج من تحت الدرج كما يقولون في المقاهي , فقد ساءت حالة المريضة بتسمم الحمل , وذهبت للمشفى وحياة جنينها على كف عفريت , والكف الثانية شاغرة , كما يطيب لمحمد مستجاب صاحب نبش الغراب أن يقول .
وبينما قريبتي تئن من قيصريّة قد أجريت لها على عجل , كانت نشوة النصر في دارنا , تزيح عن الفؤاد قسوة الخطوب . فلم تضع دنانير والدي وقد حلب الصخر في جمعها , هباء في صخب الحانات , ولا نقوطا فوق رؤوس الغانيات .
لقد نسي قريبي أنّ القلوب اذا كلّت عميت وأن جهاز الضغط الذي يشكو كثرة المراجعين قد خذل الممرضة وقد تركت صغارها زغب الحواصل ، لا ماء ولا شجر .
فكم رددنا في الليالي العسيرات قائلين : يا ابن بلدي لا تعتب علينا , وأنذرنا نخبرك اليقينا , اننا نبدأ المناوبات نمورا , ثم نخرج منها مسطّلينا . كحل العين من وسن , وعلى سهوب أقدامنا تعب وفازلينا .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى