دكتوراه تخطيط / رامي علاونة

دكتوراه تخطيط
لم يتمكن عوض من النوم لشدة الالم تلك الليلة، فسألته أمه عن السبب. أخبرها انه ركل الأرض بقدمه بدل ان يركل الكرة اثناء اللعب مع أولاد الحارة. طلبت منه امه ان يريها قدمه، فإذا بإصبعه الكبير متورِّم.
أخذته الى “أبي السعيد”، الذي بدوره سأله عن تفاصيل الحادث، و طمأنه ان الأمور بسيطة بعد إلقاء نظرة سريعة على الإصبع.
طلب أبو السعيد من أم السعيد ان تسخن بعض الماء و تحضر له طشت البلاستيك و لوح صابون مفتاحين، و ما هي الإ دقائق حتى أحضرت أم السعيد الأغراض. طلب ابو السعيد من عوض ان يضع قدمه في الطشت. و أخذ يصب عليها الماء الساخن و يفرك الإصبع المصاب بلوح الصابون. تحامل عوض على نفسه و كبح شعوره بالألم، و لكن ابا السعيد، أخذ يحرك الإصبع في كل الإتجاهات و يثنيه مرة الى الأمام و أخرى الى الخلف، و مع كل ثنية كان صراخ عوض يصل الى الحارة المجاورة.
انهى ابو السعيد مرحلة الفرك و التحريك ثم طلب من أم السعيد منشفة و خرقة نظيفة. تنفس عوض الصعداء، فقد إعتقد ان هذه آخر مرحلة من مراحل التعذيب بين يدي أبي السعيد.
نشَّف أبو السعيد قدم عوض و أخذ يلّف اصابع قدمه بالخرقة… لفة، فأخرى، ثم توقف ابو السعيد. طلب من ام السعيد ان تمسك الخرقة قليلا. مدَّ يده الى جيب المزنوك و اخرج قطعة نقدية من فئة “الشلن” و وضعها فوق عقدة الإصبع المصاب، ثم اكمل لف الخرقة.
طلب ابو السعيد من عوض الوقوف فانفرجت اسارير عوض ظاناً انها لحظة المغادرة، الإ ان أبا السعيد وقف على قدميه طالباً من عوض الاقتراب منه. وضع ابو السعيد كعب قدمه على الإصبع المصاب و أخذ يدعس عليه بكل ما أوتي من قوة.
لم يتحمل عوض ذلك القدر من الألم، فحاول إفلات قدمه من تحت وطأة ابي السعيد، لا بل حاول دفعه لإيقاعه على الارض، و لكن دون جدوى!
تمنى عوض انه لم يخبر أمه، فالألم الذي كان يشعر به أقل حدةً من عذاب إبي السعيد.
اكمل أبو السعيد مهمة تعذيب عوض و أخبر أمه ان الأمر لا يتعدى كونه “قصعة” بسيطة و ان عوض سيكون على ما يرام خلال يومين او ثلاثة و عندها يمكنه فك الرباط.
إزداد ألم عوض في اليومين التاليين و لكنه اخبر أمه انه لم يعد يشعر بالألم خوفاً من زيارة ثانية لأبي السعيد من جهة و طمعاً في “الشلن” من جهة أخرى.
مرت الأيام و السنون بسرعة، فقد مضى على الحادثة ما يقارب ربع قرن و ما زال عوض يشعر بالألم كلما أطال الوقوف أو لبس حذاءً جديداً. و بما ان عمله يتطلب الوقوف لساعات طويلة، قرر عوض مؤخراً أن يذهب الى الطبيب.
أخبره الطبيب بعد إجراء الفحوصات و صور الأشعة ان عقدة اصبعه كانت على ما يبدو قد تعرضت لكسر قديم و ان العظم التصق ببعضه بشكل غير صحيح.
لم يخبر عوض الطبيب بقصة أبي السعيد، و انكر انه تعرض لأيّة حادثة في صغره، فقد خجل من إخبار الطبيب أن ابا السعيد كان “المعالج الحكيم” في ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي.
سأل عوض الطبيب عن الحل، فأجابه ان الحل الوحيد هو عملية كسر للعظم و إعادة تجبيره بطريقة صحيحة.
تذكر عوض عمليات التعذيب التي تعرض لها على يدي أبي السعيد، فأخبر الطبيب انه يفضل ان يتعايش مع الألم بقية حياته. شكر عوض الطبيب و غادر الى بيته.
في الطريق هاتف والدته و ذكَّرها بقصته مع مع أبي السعيد. أخبرها ان الإصبع لم يشفى منذ ذلك الحين و انه اخفى عنها الأمر لكي لا يشعرها بالذنب و لكي لا تهتز صورة ابي السعيد لديها فلطالما اعتبرته هي و جيلها من اهل القرية “الحكيم المُخَلِّص”.
أخبرها انه زار الطبيب وان الحل الوحيد برأي الطبيب هو عملية كسر لإصلاح ما أفسده أبو السعيد.
استغربت الأم مما سمعت و سالته:
هو يمّه الدكتور اللي قلك اصبعك بده كسر وين دارس؟
عوض: الدكتور هندي يمّه، اكيد دارس في الهند.
الأم: يعني بدك تقنعني انه دكتورك بفهم أكثر من الدكتور أبو السعيد؟!
صاحبنا: ليش يمّه هو الحج أبو السعيد دكتور عظام؟
الأم: لا يمّه دكتور عِلِمْ… معاه دكتوراه “تخطيط” من السوربون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى