خصائص الثقافة المجتمعية للدول النامية

خصائص الثقافة المجتمعية للدول النامية  

د. علي المستريحي.  

أقدم تالياً وصفا لعدد من الخصائص والسمات المكوّنة للثقافة المجتمعية للدول النامية التي تميزها عن غيرها من الثقافات. ونشير هنا بداية، إلى أنه، وبالرغم من اعترافنا بوجود تفاوت نسبي في تقدير طبيعة وسمات الثقافة المجتمعية بين دولة وأخرى من الدول النامية، وبكل جانب من الجوانب التي تناولتها في هذا التوصيف، إلا أن هناك قواسم مشتركة بينها غالباً ما تجتمع عليها.  

كما لا بد من الإشارة هنا أيضاً، إلى أنني اعتمدت في صياغة هذا الوصف على خلاصات تجارب شخصية لما لمسته وعشته واقعا في عدد من الدول النامية مقارنة بما لمسته وعشته واقعا في غيرها من الثقافات. لذلك، فهذه الخلاصات قد تحتمل الصواب أو الخطأ، كما تحتمل الجدل أيضا وتحتاج مزيدا من النقاش، ذلك على الرغم من قيام بعض الباحثين أمثال هوفستيد (2001)، ترياندس (2002)، وآخرون) بتناول بعض الجوانب من هذا الوصف وتأكيده بأبحاثهم. كما أشير أيضا إلى أنني قصدت عمداً بالتوصيف الذي أقدمه هنا على “تضخيم المتناقضات” بهدف تبسيط المعنى ليس إلا. وبكل الأحوال، فإن الفكرة من تقديم هذا التوصيف تهدف لتعميق وعينا وفهمنا لما نعانيه من سلبيات ثقافية تؤثر على نهضتنا، فلا بد من الاعتراف بوجودها أولا وكخطوة أساسية باتجاه تطوير وتحسين منظومتنا الثقافية المجتمعية.  

وتالياً أعرض ما وصلت إليه من خلاصات:  

  1. كثيرا ما يكون الظالم والمظلوم في الحال سواء، فكلهم ظالمون وكلهم مظلومون، ويحدث أن يتبادلان الأدوار إن سنحت الفرصة وتغيرت الظروف، فيتحول الضحية جلاداً والجلاد ضحية.  
  2. يتعلم الناس من ظروف المرارة و الألم أكثر مما يتعلمون من ظروف السعادة .. يتذكر الناس من أوجعهم وأعاق طريقهم أكثر بكثير ممن أسعدهم وسهّل لهم الطريق!  
  3. المشاكل تحلها القوى الخارقة والمعجزات، والفرص والآمال والطموحات مسائل قدرية، تأتي أو تمتنع لوحدها، وما على الإنسان إلا أن ينتظر المعجزات لإحداث التغيير وما عليه إلا الدعاء.  
  4. الحاضر يبدأ بالماضي وغالبا ما ينتهي به. المستقبل لا يعني الكثير وعادة ما يترك لوقته.  
  5. الخيال الواسع الذي يخالف أساسيات المنطق. فكل شيء جائز: الحمار يبيض والجمل يطير طالما أن هناك من يصدّق !  
  6. الكل متدين والكل كافر. فالدين للآخرة فقط وليس للدنيا، والدين فقط لدخول الجنة وتجنب دخول النار وليس لصناعة وطن.  
  7. تمتاز العاطفة بتذبذبات حدّية، عالية جدا إلى منخفضة جدا وبمديات زمنية قصيرة (تسخن بسرعة وتبرد بسرعة).  
  8. الغموض (ويكون ذلك غالبا تحت غطاء الضباب والدخان والاضاءة الخافتة والرائحة القوية والمذاق المميز والأصوات الغريبة).  
  9. العاطفة والأحاسيس أهم من التعقل والحكمة، لذا، أساليب الإقناع الفكري لا تجدي كثيرا.  
  10. استخدام أدوات رمزية غريبة لمن لا يعرفها، بسيطة في تكوينها، غنية المعاني (مثل عصى، قلنسوه، منديل خاص، نحت غامض، منتجات عشبية وتوابل وبهارات قوية المذاق والنكهة.. الخ).  
  11. الاعتماد الزائد بالتواصل بين الأفراد والجماعات على الرموز والألوان والإشارات وتعابير الجسم والوجه ذات الشيفرات الغامضة أكثر من استخدام لغة محكية ومكتوبة موحدة جامعة. ودائما ما بين السطور الكثير ..  
  12. تركيز النظر على خلفية وإطار الصورة أكثر من النظر لجوهرها (ground vs figure). تبدأ ظاهرة الانطباع المسبق من هنا. ومن هنا أيضا يبدأ الخلط بين جوهر الأشياء ومغلفاتها أو قشورها أو أدواتها (Object/subject Overlap)، فمثلا شيوخ الدين هم الدين نفسه، وكلب الشيخ شيخ!  
  13. نمطية السلوك وحركات وجه وجسم وأفكار نمطية متكررة (سلوك توحدي)، وآراء أحادية لا تقبل التحدي أو المعارضة، ومن يفكر خارج الصندوق كافر.  
  14. يلدغ المرء من نفس الجحر مرات عديدة. تتكرر الأخطاء ذاتها كل مرة وهناك ضعف كبير بالتعلّم من التجارب والدروس.  
  15. نجاح الآخر هو مصدر تهديد للذات. ينجح الشخص فقط عندما يفشل الآخرون.  
  16. المقدمات والإجراءات أهم من النتائج. كثيرا ما يتم التركيز على شكل المشكلة نفسها أو صاحبها أو ناقلها، فيصبح ناقل المشكلة أو صاحبها أو المشكلة نفسها هي المشكلة!  
  17. ضعف الربط بين السبب والنتيجة، والبحث المستمر عن ضحية أو مشجب لتعليق الفشل عليه. الحاضر ضحية والماضي منقذ والمستقبل له رب يرعاه.  
  18. الهرمية والتراتبية الطبقية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعليمية والدينية تعكسها الألقاب والمسميات والصور والصفات المحاطة بالتضخيم والتفخيم والتبجيل تكرس الرهبة لدى العامة والغموض وتصنع الأصنام وتنتج العبودية.  
  19. الميل للفوضى والعشوائية وضعف التنظيم والادارة.  
  20. المُصلح أو المفكر خارج عن الملة، وهو عار عليها، ولا يعني العامة بشيء ولا يمثلهم، وينبرون للتبرؤ منه.  
  21. يتذكر الناس أصحاب الفضيلة بحالات أربع: (1) إن توفاهم الله ولن يعودوا أبدا، فلا طائل من ذمهم ولا بأس من مدحهم، (2) إن تركوا الأمر وتوقفوا عن ايقاظ ضمائرهم، فلا ضرر من مدحهم ولا فائدة من ذّمهم، (3) إن سقطوا ولن يرتفعوا أبدا فلن يعودوا يخيفونهم، (4) إن ارتفعوا ولن يسقطوا أبدا فيخيفونهم !  

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى