ثقافة الإشاعة! / خيري منصور

ثقافة الإشاعة!

لو ان واحدا بالألف ممن سمعوا بابن خلدون قرأوا مقدمته لوجدوا انها تجيب عن كثير من الاسئلة التي تؤرقهم سواء تعلق الامر بالتخلف والتقدم او البداوة والتمدن، اضافة الى ان الدولة تبلغ خريفها اذا أثقلت على مواطنيها، فالرجل تحدث عن الدولة الفاشلة لكن باسماء اخرى، وسبق تشومسكي وغيره بقرون عندما تحدث عن عوامل الفشل، فهو رائد بامتياز وباعتراف علماء الاجتماع الغربيين .
لقد شهد الوطن العربي سجالا لما يزيد عن عقد من الزمان حول مقالتين تحولتا الى كتابين فيما بعد هما مقالة فوكوياما الشهيرة بعد سقوط سور برلين عن النظام العالمي الجديد وصدام الحضارات لهانتجتون والاثنان نقدا وراجعا موقفيهما، لكن ثقافة الاشاعة وما كان يسميه البلاغيون القدماء وقع الحافر على الحافر لم يبدلا من السجال الذي دار ولا يزال حول الكاتبين .
ولدينا في العالم العربي اناس لا يترددون في ابداء اراء حول كتب سمعوا عنها فقط او قرأوا لها ملخصات في الصحف، وكأن النميمة الاجتماعية فاضت عن حدودها وتمددت لتشمل الثقافة حتى منجزات التكنولوجيا قدر تعلقها بوسائل الاتصال تحولت بفضل النميمة الى نقمة واصبحت في خدمة الخرافة والاشاعة كما انها تحولت الى ذريعة لعدم القراءة بحجة ان من لا يشتري كتابا واحدا في العام ينكب على جهازه ساعات وهو يقرأ ! ولأن الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبيده فأين هو أثر نعمة المعرفة على هؤلاء العبيد ؟
ان ثقافة الاشاعة هي البديل الادنى للثقافة الحقيقية، لأنها تقدم اجابات باطلة واحيانا تعجز حتى عن صياغة سؤال منطقي ! ان نوعا جديدا من فقه العَنْعَنَة بدأ يسطو على ثقافتنا، بحيث يروي فلان عن فلان عن علان بأنه قرأ كتابا ما ولم يتردد في ابداء رأي فيه وبمن كتبه .
ولأن منظومة القيم قلبت رأسا على عقب فإن المجتمعات التي توارثت اقوالا مأثورة من طراز من علّمني حرفا كنت له عبدا، اصبحت تلعن من علّمها الابجدية كلها؛ لأن المجتمعات ذاتها التي قال شاعرها: ان من علّمه الرماية رماه ومن علّمه الشعر هجاه !!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى