بين غاليليو وشهرزاد

بين #غاليليو وشهرزاد / #يوسف #غيشان

أعاني من سنوات مما يسمى بـ (بعد النظر) وها أنا الان أتعايش كومة من النظارات (أمّات النيرة) متوزعة في أنحاء البيت، على سبيل الاحتياط إذا ما أصبت بالزهايمر دون أن أدري. أدرك طبعا بأن البقاء على قيد الحياة لمنتصف الستينيات من العمر هي ميزة قد أحسد عليها من المتوفين قبل هذا العمر، لذلك لا أتذمر.

شكا والدي في عامه الثامن والثمانين من ضعف النظر بالقول بأنه لم يعد يرى جبال شيحان من فوق سطح بيتنا في مادبا، مما اصابنا بالإحباط آنذاك، لأننا لم نر قط جبال شيحان من هنا، حيث أنها تبعد عنا أكثر من 60 كم على الأقل.

لكن حلم والدي تحقق بعد عام تقريبا حينما توفت جارتنا كاترينا، فطلب من أبنائها الحصول على نظارتها العملاقة، فلم يقصروا، وكانت بعدسة واحدة، والأخرى مفقودة، لكن ذلك لم يمنع والدي من التلذذ بإرتداء النظارة، حتى وفاته عن 91 عاما ونيف، بنظارة ذات عدسة واحدة، مثل تليسكوب المرحوم غاليليو الذي كاد طول نظره أن يفقده حياته بقرار من محاكم التفتيش بعد أن «ادّعى» بأن الأرض تدور حول الشمس.

مقالات ذات صلة

في بلادنا العربية نعالج بعد النظر بالنظار أو بالسجن، في حين أن العالم يعتبره ميزة لا يحصل عليها الا المثقفون والمصلحون والفلاسفة – حاشانا الله -. ولأننا من أصحاب بعد النظر، فإننا نسعى الى قراءة الصحف والمجلات من الصفحة الأخيرة، وهذا ما استطاعت شهرزاد أن تمنعه عن شهريار الذي كان سيقتلها لو عرف نهاية القصة، ونجحت في النهاية بالانتصار عليه وسجّلت أول فوز أنثوي موثق على عنجهية الذكر وغروره المستتب.

لعل من أوائل الشخصيات الساخرة التي ابتكرها يعقوب صنوع في مصر، هي شخصية (أبو نظارة) التي تم تحويلها الى شخصية كريكاتيرية كانت من اوائل هذه الشخصيات المبتكرة منذ نهايات القرن قبل الماضي، اذ يعتقد الناس ان من يستخدم النظارة يرى أكثر من غيره وبدقة أكبر، ويستطيع أن يعلق على الأحداث بذكاء جارح.. طبعا هذا الحكي مش صحيح.

وتلولحي يا دالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى