بلا مجاملة

بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه

أرسل إلي صديق تسجيلا مصورا لمحاضرة قديمة، قدمها “سيد القمني” في ندوة لحزب المصريين الأحرار عام 2014، يسألني ردي على ما جاء فيها.
تاريخ المحاضرة يعطي دلالة هامة، فهي تواكب مرحلة #إنقلاب #السيسي وما رافقها من فرحة عمت صفوف العلمانيين بمختلف أصنافهم، بالتخلص سريعا بمعونة الغرب وأدواته الخليجية من منجزات #الثورات #العربية، فتنفس أولئك الصعداء، لذلك لم يعودوا يخفون أحقادهم على #الإسلام، ولم تعد بهم حاجة للبس عباءة الإسلام بالقول أنهم مفكرون إسلاميون يملكون رؤية تنويرية ويهدفون بأفكارهم النقدية للدين (تنقيته) مما أحاقه به بعض الغلاة والمتشددين.
ظل القمني وأمثاله مثل نصر حامد أبو زيد وأستاذهم طه حسين الذين بدوا وكأنهم إسلاميون بسبب تناولهم لمواضيع إسلامية، وتبين سريعا من خلال أفكارهم التي كانوا يطرحونها بحجة النقد البناء، أنهم لا يسعون لرفع شأن الأمة كما يدّعون، بل يهدفون لهدم أركان الدين بالتشكيك بثوابت العقيدة، وبإصرارهم على التشكيك بالحقائق التاريخية، مع التصديق على الروايات التي يتبناها المستشرقون، وكل ذلك بهدف التيئيس والدفع للإستسلام للغرب وحضارته، وقطع الصلة مع التاريخ والحضارة الإسلامية بدعوى أنها فكر ماضوي عفا عليه الزمن.
هل يمكن أن نسمي ذلك تنويرا بهدف رفع شأن الأمة، أم هو خيانة ثقافية للأمة، بهدف إلحاقها بالمستعمر طوعيا، وتحطيب في حبال الغرب طمعا في رضاه ونيل جوائزه؟.
هنالك البعض من (الفهلوية) يعتقدون أن الناس ساذجة، ولا تستطيع التمييز بين من ينتقد الظواهر السلبية لدينا لأنه يريد بالأمة خيرا، ويسعى لنهضتها، وبين من يغربل تاريخنا بحثا عن الشوائب فقط، فيعظمها ويعممها بقصد طمس الجوانب المضيئة، لأنه يهدف لقطع الصلة بالأمجاد، فينشر الإحباط لهدم العزائم وإبطال جهود النهوض وإبقاء النفوس مهيئة لثقافة المستعمر.
فالمبضع في يد الطبيب يجرح به المريض ويسيل دمه لإزالة العلة، لكنه مختلف كليا عندما يكون في يد المجرم، فهو يجرح المجني عليه ويسيل دمه أيضا لكن لقتله.
إذاً، فآلية التقييم الدقيق لتمييز الأفعال هي النوايا، وهي وإن كانت مضمرة، تظهرها فلتات اللسان، فمن كانت نيته صادقة وبهدف الإصلاح والنهضة، فهو من يسعى لكي يتمثل أبناء الأمة قيم الإسلام العظيمة، وتنعكس في أفكارهم وأفعالهم، وأما من يدعو للإنفصال عن تلك القيم والبحث عن قيم بديلة، فذلك الذي لا يريد خيرا بالأمة، وفكره هو خيانة ثقافية لأمته.
يطرح القمني في محاضرته مسألتين: الأولى أنه يسخر من أن الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، فيقول أن المسلمين لا يصلحون لأن يكونوا قادة ومصلحين بل أتباعا منقادين لغيرهم، ويقول: “أحمد الله على أن المسلمين توقفوا عند القسطنطينية وأنهم أخرجوا من الأندلس، وإلا لما كان هنالك تقدم وحضارة يرفل بها العالم اليوم”.
بالطبع التاريخ يكذب ادعاءه، ففي القرون الوسطى كان الجزء الإسلامي من العالم يرفل بالعلم والتقدم، فيما الجزء الأوروبي يغمره الجهل والتخلف، وكان طلبة أوروبا يطلبون العلم في الأندلس.
كما ينقض رأيه المؤرخ الفرنسي “غوستاف لوبون” الذي يقول: “من سوء حظ أوروبا أن المسلمين الأندلسيين توقفوا عند حدود فرنسا، فلو دخلوها لكسبت أوروبا أربعة قرون من التقدم الحضاري”.
المسألة الثانية: قوله “ان الإسلام نقيض للعلم، لأن المسلمين لا يعرفون إلا كتابين هما القرآن وصحيح البخاري، ويقول لهم القرآن أن الله خلق الدنيا في ستة أيام فلا تبحثوا في الأمر ولا حاجة للعلوم والبحث في أسرار الوجود”. الغريب في الأمر، أن من يقول ذلك ليس مستشرقا حاقدا، بل من يقال عنه أن مفكر، فكيف يغيب عن تفكيره المفلس ما يعرفه تلاميذ المدارس من عشرات الآيات التي تدعو للتفكر (الذي هو أعمق درجات التفكير) في آيات الله؟.
وما هي آيات الله؟ أليست في نواميس الكون وقوانين الطبيعه وأسرار خلق الخلائق؟.
هؤلاء الذين سقطوا في أوحال المطامع فعرضوا عقولهم للبيع في المزادات الرخيصة، طمعوا بتأجيرها مقابل جائزة، كسدت بضاعتهم، فبقوا في الطين، فخسروا الدارين، وصدق فيهم قوله تعالى: “وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ “.
أمثال هؤلاء ليسوا مفكرين، ولا يستحقون الرد لتفاهة منطقهم، ولا شك أن لله حكمة في وجودهم، فهم يكشفون المنافقين من أبناء الأمة الذين هم سماعون لهم، ويفرحون بكلامهم، فيرددوه وينشروه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى