المسايرة والمغايرة 2

المسايرة والمغايرة 2 ….ما بين وأنا مالي واسأل مجرب تحكم الفساد

د. ذوقان عبيدات

المسايرة خضوع واستسلام وطمع وتطبيع، حيث يبحث المساير عن التوافق والقبول والرضا. يتخلى عن رأيه استجابة طواعية أو نفاقاً. فللجماعة روحها التي تختلف عن جميع أفرادها. وقيمها المختلفة أيضاً.

ومعروف في علم النفس والاجتماع أن الكل يختلف عن مجموع أفراده و أجزائه. إذن يتخلى المساير عن رأيه وقيمه وأفكاره لصالح ما تراه جماعته. وفي الإدارة، يعتبر القرار بالإجماع من أكثر القرارات ضعفاً. ففي الإجماع مسايرة كاملة وتخلٍ كامل عن الفردية. فلا مغايرة في الإجماع. فالكل يتخلى عن الذات الفردية وينغمس في الذات الجمعية، وبذا يغيب الرأي الفردي، ويصبح جزءاً من جماعته ينفذ رغباتها لا رغباته. فإذا شعرت الجماعة بأي تحد لها من الخارج فإنها تكلف أحد أفرادها بالتصدي لهذا التحدي. بدءاً من التضحية وحتى القتل!! فكم من مغاير قتل بيد مساير! وكم من مساير أنقد بفضل مغاير!! فجرائم ” الشرف” مساير قتل مغايراً وفي الجرائم الفكرية مساير قتل مفكراً مغايراً ، وكان سقراط الضحية الأولى للمغايرة، وتتالت بعده سطوة المسايرين على المغايرين.

في ندوة لي بمدارس منارات الرياض، ملأت مرطباناً بمائة وخمس وعشرين حبة فاصولياء، وطلبت من المشاركين تقدير عدد الحبات! ثم حسبت المتوسط الحسابي لتقديراتهم فكانت مائة وستين حبة. وأعلنت ذلك، وطلبت منهم إعادة التقدير مرة أخرى، فكانت النتائج أن مالت معظم التقديرات نحو مائة وستين. ولم أستغرب أن منهم خمسة أشخاص كانت تقديراتهم في المرة الأولى دقيقة وقريبة جداً من مائة وخمس وعشرين، غير أربعة منهم التقدير الثاني مقتربين من مائة وستين. ولم يبق سوى مغاير واحد بقي على تقديره الأول. ولذلك يمكن القول:

المغاير يمتلك شخصية أقوى والتزاماً برأيه بينما المساير سرعان ما ينحاز إلى وسط الجماعة للاختباء هناك.
والمغاير هو دائماً مختلف، وبذلك يكون مغيراً منجزاً ، فناناً ، شاعراً ، باحثاً ، مبدعاً .
والمساير محافظ ملتزم والمغاير خارج ربما حتى عن القانون. وكما قلت سابقاً، الأنبياء مغايرون وكذلك زرقاء اليمامة وسقراط وسيزيف الذي قضى حياته يرفع الصخرة.
والمسايرون ينتظرون ما يفعله المغايرون ليهجموا عليه في البداية ثم يقبلون به بعد أن يكون حقيقة.
المساير هو من جماعة : مالنا ومالهم أو من جماعة وأنا مالي!! والمساير يقول: “اسأل مجرب” ولا تسأل حكيماً أو مفكراً .

وفي الوطن هل نحتاج إلى مسايرين أم مغايرين؟

المسايرون هم المسؤولون عن أوضاعنا وعن جمودها وعن بطء الإصلاح، وعن تحكم الفساد!!

فأين المغايرون؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى