المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات . . في دائرة الضوء

المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات . . في دائرة الضوء
موسى العدوان
تُظهر حقائق التاريخ والجغرافيا أطماع الدول الكبرى في السيطرة وامتلاك القوة، في مقابل محاولة الدول الصغرى للبقاء والحفاظ على مصالحها، مما يفرز أزمات متنوعة تعبر عن تعارض المصالح والصراع بين الطرفين. والأردن بموقعه الجغرافي في منطقة حساسة، واجه منذ استقلاله وحتى اليوم أزمات مختلفة، تراوحت بين السياسية والاقتصادية والأمنية. وتمكن بحنكة قيادته الهاشمية وبجهود المخلصين من أبنائه، تجاوز تلك الأزمات وتمكن من العبور إلى شاطئ الأمان.
ازدادت الأزمات خطورة وتهديدا للأردن ومواطنيه في السنوات الخمس الأخيرة، الأمر الذي دفع جلالة الملك للتفكير في إيجاد مركز متخصص بهذا الغرض، فوجه بإنشاء ” المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ” وتم تجهيزه بأحدث التقنيات العالمية، بما يضاهي مؤسسات حلف الأطلسي، وبتكاليف بلغت مئات الآلاف من الدولارات.
كانت الغاية الرئيسية لإنشاء المركز، هي تأطير العمل المؤسسي والمنهجي لمعالجة الأزمات المختلفة، التي يحتمل وقوعها في البلاد. فإدارة الأزمات تعني كيفية التغلب عليها بالأساليب والأدوات العلمية، لتجنب سلبياتها وتعظيم ايجابياتها. ولكن أثبتت التجارب العملية أن المركز عاجز عن النهوض بالأدوار الرئيسية المناطة به، في إدارة الأزمات الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية التي مرت بالبلاد. إذ كان يشكل في الغالب مركز اتصالات دون فعل حقيقي مؤثر. ولم يشعر المواطنون بوجوده إلا بعد أن ظهر جلالة الملك من خلاله وهو يتابع أحداث الكرك الأمنية في نهاية العام الماضي.
بتاريخ 28 / 12 / 2016 كتبت مقالا بعنوان : ” المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات . . هل من ضرورة ؟ ” ضمنته المعلومات الهامة أكاديميا وعمليا عن ذلك المركز، ولا أريد تكرارها في هذا المقال، بل أرى من المناسب التذكير بالتعريف الذي ورد به لطبيعة الأزمة وهو كالتالي :
” الأزمة هي أي حالة يتوقع أن تقود إلى موقف غير مستقر وخطير يؤثر على الأشخاص أو الجماعة أو الهيئة أو على المجتمع بأكمله. وتؤدي الأزمة إلى تغيير سلبي في السياسة، أو الاقتصاد، أو الأمن، أو الحالة الاجتماعية أو البيئة، خاصة عندما تحدث بصورة مفاجئة مع إنذار بسيط أو بدون إنذار. بعبارة أخرى إنها مصطلحا يعني: وقت الاختبار “. وكانت الفقرة الأخيرة في نهاية ذلك المقال تنص على ما يلي :
” إذا كان عمل المركز عبارة عن مركز اتصالات وتنسيق بين الوزارات والدوائر فقط، وأن المهام التي أسندت إليه أكبر من قدراته، فأرى أن لا ضرورة لوجوده، لأننا لا نريد مركزا يتميز بأعلى المواصفات العالمية، ولكنه عاجز عن أداء واجباته الرئيسية. والعمل الصحيح حسب اعتقادي يتمثل في إيجاد خلية أزمة موسعة ومتفرغة، تشمل مختلف الاختصاصات والخبرات الضرورية، وتعمل بصورة مستمرة على مدار العام، وتقدم دراساتها وتوصياتها في جميع القضايا المتعلقة بالأمن الوطني، لمعالجتها من قبل الجهات المختصة حفاظا على أمن البلاد “.
بعد ذلك التاريخ – وفضلا عن فشل المركز في الأزمات السابقة – وقعت أزمات ثلاث على الأقل هي : 1. أزمة احتجاجات قبائل الجنوب على الحكم الصادر بحق الرقيب الأول معارك أبو تايه. 2. أزمة اقتحام المسجد الأقصى من قبل جنود العدو، وتركيب بوابات إلكترونية في ساحاته لفحص المصلين، لاسيما وأنه يقع تحت الرعاية الهاشمية. 3. أزمة مقتل شخصين أردنيين أنتُهكت بها السيادة الأردنية من قبل حارس السفارة الإسرائيلية، والسماح له ولطاقم السفارة بمغادرة الأراضي الأردنية دون وجود ضمانات لمحاكمته، واستقباله من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية باعتباره بطلا دافع عن دولة إسرائيل، في تحد لمشاعر أهالي القتيلين والشعب الأردني وحكومته.
أما من الناحية الأخرى، فقد أدار نتنياهو أزمة المسجد الأقصى بما يعرف في علم الإدارة بِ ” الإدارة بالأزمات “، فقام بخلق أزمة جديدة تغطي على أزمة المسجد الأقصى، مستغلا حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان.
في جميع هذه الأحداث التي تضاربت بها تصريحات وإجراءات المسؤولين في حكومتنا الموقرة، وشكلت أزمات محلية وإقليمية تناقلتها وسائل الإعلام في الداخل والخارج، لم نسمع عن أي انجاز أو اجتماع أو توصية قدمها ( المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات )، إلاّ إذا اعتبر القائمون عليه أن ذلك لا يقع ضمن اختصاصه، ولا يؤثر على الأمن الوطني والاجتماعي في البلاد.
وعلى ضوء الفشل الذي اتسم به هذا المركز بتحقيق رؤية جلالة الملك في الأمن وإدارة الأزمات التي واجهت البلاد، فإنني كمواطن مسكون بسيادة الدولة وسلامة مواطنيها، أكرر اقتراحي السابق بكل تجرد – إن كان هناك من يسمع – أن يجري تفعيل ذلك المركز عمليا، ليقوم بمهامه على الوجه الأكمل، من خلال إعادة النظر بالهيئات القائمة عليه وأسلوب عمله، أو تحويله إلى مركز آخر أكثرا نفعا للوطن بعيدا عن هذا الاسم الديكوري الكبير دون مضمون.
أعلم بأن هذا الاقتراح سيغضب بعض المستفيدين منه، وسيتولون الدفاع المستميت عن ذلك ( المركز العظيم ) عارضين مبرراتهم غير المقنعة، في محاولة لإثبات جدواه وأسلوب عمله الحالي، والذي يقتصر على الأعمال الروتينية كأي دائرة مدنية في الدولة، حفاظا على مواقعهم ومكتسباتهم.
التاريخ : 6 / 8 / 2017

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى