العقل زينة

العقل زينة
د. هاشم غرايبه

بدافع إنكار وجود الله، تمكن الملحدون من ترسيخ فكرة افتراضية لا دليل مادي (أحفوري) واحد عليها، مفادها أن أصل #الإنسان قرد تطور أصلا من سلسلة #طفرات #عشوائية، عن #كائن أولي أول.
لكنهم عجزوا عن تفسير كيف تطور هذا الكائن الى النبات والحيوان كنوعين فقط لا أكثر، ومختلفين جذريا.
لا أحد يمكنه الزعم بأنه يعلم على وجه اليقين كيف وُجد الإنسان على هذه الأرض، فهذا أمر من الغيبيات لا يمكن للإنسان اكتشافه بذاته، إلا إن يُعلمه بذلك من هو قبله، لكن مع كل كشف علمي جديد، تزداد البراهين على أنه لا يمكن لكل هذه الأمور الفائقة الدقة والتنظيم والتناغم أن تكون حدثت تلقائيا وبالصدفة المحضة، بل أن هنالك قوة هي أذكى ما يمكن تخيله وراء إيجاد كل هذه الموجودات.
صدر مؤخراً في فرنسا (معقل الإلحاد) كتاب ضخم أحدث صدمة مزلزلة لأوساط الملحدين، وهو بعنوان “الله العلم البراهين” وألفه مفكران اثنان: الأول هو “ميشيل – إيف بولوريه”، وهو مهندس في مجال المعلوماتية وحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال العلوم وإدارة شؤون الأعمال من جامعة “باريس – دوفين”، والثاني هو “اوليفيه بوناسييس”، خريج مدرسة البوليتكنيك الشهيرة، والذي كان في شبابه يعتنق المادية الإلحادية.
كما شارك معهما في تأليف هذا الكتاب الضخم، عشرون شخصية فكرية علمية، وقالت عنه صحيفة “الفيغارو” فور صدوره: “هذا حدث هائل، أخيراً العلم الفيزيائي الفلكي يتوصل إلى البرهنة على وجود الله، هذا الكتاب يقلب كل قناعاتنا السابقة الراسخة”.
هذا الكتاب الذي قدم له البروفيسور الأمريكي “روبيرت ويلسون” أحد كبار مشاهير علم الفيزياء الأميركيين من حَمَلَة جائزة نوبل عام 1978، يبين كيف أن القرون الأربعة الماضية شهدت سيطرة الفكرة الإلحادية على العلماء، لدرجة أن كان من يقول بوجود الله لا يعتبر عالما، وعندما سأل “نابليون” العالم الرياضي الفلكي الفرنسي “لابلاس”: “وأين مكانة الله في كل هذا؟، أجابه بكل غطرسة: ” سيدي، هذه فرضية ما عدنا بحاجة إليها”.
لكن منذ منتصف القرن الماضي، حدثت ثورة علمية بدأت بالنظرية النسبية لأينشتاين، وعلم الميكانيكا الحرارية، ونظرية الانفجار الأعظم الذي أدى إلى تشكل الكون، وعلم الفلك الكوني، وعلم الميكانيك الكمي والموجي، فتبين أن نشأة الكون حدثت في ثانية محددة قبل 13.7 مليار سنة، وليست نتيجة تفاعلات عشوائية طويلة الأمد، أي أن هنالك من أعطى النقرة الأولى للإنفجار، (أي ما يعرف لدينا: كن فيكون).
كما أن التقدم في علم الأحياء البيولوجية واكتشاف الجينوم الوراثي للإنسان، وثبوت أن هنالك قوانين دقيقة صارمة تحكم كل مواصفات وخصائص ووظائف كل الكائنات الحية، من أصغرها (وحيدة الخلية)، الى أعظمها وهو الإنسان، لا يمكن للإنسان تعديلها قيد شعرة…
ويقول المؤلفان أن كل ذلك يوصلنا إلى النتيجة التالية: أن للكون بداية محددة تماماً، أي أنه مخلوق في لحظة ما، وإذا كانت له بداية فهذا يعني وجود سبب أو مسبب لهذه البداية، وبالتالي فالخلاصة الأكثر منطقية تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود روح ذكية تقف خلف الظواهر، أي وجود عقل عُلوي أعظم، يحرك كل شيء من خلف الستار. باختصار شديد، كل هذا دليل على وجود خالق أعظم للكون.
بناء على ما قدمه هذا الكتاب، فليس مستبعدا حدوث المزيد من الإنهيارات للفرضيات التي أدخلت في عقولنا كمسلمات لا تناقش مثل قصة الإنسان الأول البدائي، وأن كل الكائنات الحية هي طفرات من كائن أولي واحد.
فليس شرطا أن الإنسان أو غيره خلق تماما كما هو في صورته الحالية، بل قد يكون تطور وتغيرت هيئته على مر الحقب، لكنه قطعا لم يكن في أي يوم ضفدعا ولا سمكة ولا قردا، بل هنالك خلق أول لكل كائن حي.
ولأن لكل منها مهمة ووظيفة مختلفة، تشكل مع المجموع نظاما حيويا متكاملا ومنضبطا بإيقاع محدد، لذلك فالخالق واحد.
إن من أغبى التفسيرات القول أن السمكة مثلا طورت بذاتها خياشيم بدل الأنف وزعانف بدل الأطراف، فكيف لها ذلك إن كان الإنسان الذي يملك العلم وأدوات البحث والتطوير لم يمكنه تطوير أي من قدراته الجسدية!.
التفسير المنطقي أن كل تطور أو تحور كان مقصودا ومبرمجا من الخالق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى