الرسول على قدْر المُرْسِل

الرسول على قدْر المُرْسِل – محمد خاتم المرسلين (صلى الله عليه وسلم )
ماجــــــد دوديــــن

من عرف محمداً عليه السلام، عرف كل خيرٍ وحقٍ وجمال؟ وظفر بكوْن معنوي كامل قائم بهذا الإنسان العظيم والنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوته من الأنبياء والمرسلين ؟

ومن شك فليدرس حياته كلها ـــــــ أقول كلها ـــــ بقلب منصفٍ ، وعقل مفتوحٍ ، فلن يبصر فيها إلاّ ما تهوى العلا، ولن يجد فيها إلا كرائم المعاني ، وطهر السيرة والصورة والسريرة .

أرأيت العطر !! ألا يغنيك استنشاقه في لحظة عن وصفه في كتاب !؟

مقالات ذات صلة

فإنك ما إنْ تقرأ كلامه حتى يتصل بك تيار الروح العظيمة التي أودَعت بعض عظمتها في أحاديثها ، فإذا بالقلب يزكو ، والنفس تطيب ، وإذا بأنوار النبوة تمحو عن النفس حجاب الظلمات …

هكذا يخترق كلام النبوة حُجب النفس بعد أن اخترق حجب الزمان .

محظوظون أولئك الذين استطاعوا الرقي إلى عالم النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم سيشعرون في فضاءات عظمته أنهم عظماء ، فالحياة في ظلال الرسول حياة … وإذا كانت حياة الجسم في الروح ، فإن حياة الروح في سنة وسيرة وحياة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه …

لا يمكن الإحاطة بجوانب عظمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، إلاّ إذا أمكن الإحاطة بجميع أطواء الكون، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالَماً في فرد ، فكان بهذا فرداً في العالم..

النبوة إشراق سماوي على الإنسانية، ليقوّمها في سيرها، ويجذبها نحو الكمال ..

والنبي من الأنبياء هو الإنسان الكامل الذي يبعثه الله تعالى لتهتدي به مسيرة العقل الإنساني وحركته في التاريخ..

لقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام النور الذي أشرق في تاريخ الإنسان، ففيهم تحس صدق النور، وسر الروعة، ولطف الجمال الظاهر والباطن …

في طُهْر سيرتهم ، ونقاء سريرتهم ، وعطر أفكارهم ، ويقظة أفئدتهم ، وفي كل حركاتهم وسكَناتهم تلمس إعجاز النبوة العجيب.. أليس الله قد اصطنعهم على عينه، واختارهم ليـبلّغوا رسالته ؟!

لقد كان الأنبياء هم البدء، ولا بد للبدء من تكملة، والتكملة بدأت في يوم حِراء، غرّة أيام الدهر، ففيه تنزّلت أنوار الوحي على من استحق بِزّة الخاتمية فكان خاتم الأنبياء ، ومن ذا يستحق أن يُختم به الوحي الإلهي غير الصادق الأمين ؟!

الصادق الذي ما كذب مرة قط، لا على نفسه، ولا على الناس، ولا على ربه … ومن منا يستطيع أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله ومشاعره ومواقفه مدى الحياة ؟! اللهم لا يطيق هذا سوى الأنبياء … والأمين الذي كان أميناً في كل شيء وكان قبل كل شيء أميناً على عقول الناس، وأفكار الناس.

كُسفت الشمس يوم توفي ولده إبراهيم ، فقالوا : “كُسفت الشمس لموت إبراهيم” لم يستغل رسول الإنسانية الأمين ضعف الناس فيتخذ من هذه الحادثة الاستثنائية دليلاً على صدق نبوته .. فنبوته حق، والحق قوي بذاته، والطبيعة لا تتدخل في أحزان الإنسان، فجاء البيان النبوي الصادق :” إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تُكسفان لموت أحد”، وهيهات أن يقبل الرسول لأصحابه أنْ يكون الجهل سبباً للإيمان …

لم يشغله حزنه الكبير على وفاة طفله الصغير، عن تصحيح مفهوم خاطئ عند الناس

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميناً في تبليغ الرسالة كلها، فلم يُخْفِ من القرآن المنزّل عليه آيـة، ولو لم يكن نبيـاً لما وجدنا في القرآن سورة (آل عمران) وسورة (مريم) التي ذكرت أكثر من 30 مرّة بالاسم في القرآن الكريم .. لو لم يكن نبياً لكتم آياتٍ كثيرةً من مثل هذه الآية الكريمة : ” وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) “سورة آل عمران.

” عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ” ! هكذا بهذا الإطلاق الذي رفع السيدة مريم إلى أعلى الآفاق ! أيّ صدق؟! وأيّ دلالة على مصدر هذا القرآن وصدق النبي الأميــن ؟! ولو لم يكن رســولاً مــن الله، ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال… بينما لا نجد في القرآن الكريم سورة فاطمة أو اسم خديجة أو عائشة رضوان الله عليهن لأنّ القرآن وحي الله وتتويج وحي السماء ودستور البشرية الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إن نبوّة محمد عليه السلام هي نبوّة صدق وأمانة وإيمان، إنها نبوة تدعو إلى فهمٍ ووعيٍ وهداية، هداية بالتفكر والتأمل والنظر (فالتفكير يوجب الإسلام والإسلام يوجب التفكير).

(فلا يُخشى على الإسلام منْ حرية الفكر، بل يُخشى عليه من اعتقال الفكر).

إنها نبوة مبشرة منْذرة ” قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) سورة الأعراف

لا إغراء في هذه النبوة ولا مساومة”(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50) سورة الأنعام “، وإنّ منْ لا يُصدّق هذه النبوة فلن يصدق أي خبر عن الإيمان أو الوجود ، ومنْ لا ينتفع بعقـله وضميره للإيمان بهذه النبوة فلن تنفعه كل المعجزات .

لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى ، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته وانتشار دعوته معجزة الإسلام الثانية، وحُقّ للنفس التي تجمّعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أنْ تكون معجزة الإنسانية الخالدة .

يقول أســتاذ الفلســفة راما راو : ( إنّ إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالاطلاع على عدد كبير من المشاهد : فهناك محمد الرسول، ومحمد المجاهد، ومحمد الحاكم، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملجأ الأيتام، ومحمد محرّر العبيد، ومحمد حامي المرأة، ومحمد القاضي، ومحمد العابد لله .. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للإنســانية.)

ويقول الزيات: “لما بُعث الرسول الكريم بَعَثَ الحريّة من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة.. حتى شعر الضعيف أنْ جـنْــد الله قـوّتــه، والفقير أنّ بيت المال ثروتـه !! والوحيد أنّ المؤمنين جميعـاً إخوتــه..”.

انه صاحب الرسالة العظمى إلى خلق الله قاطبة… ملتقى الفضائل المشرقة ومظهر المثل العليا التي صوًرتها الخيالات ثم صاغها الله عز وجل برحمته وكرمه إنسانا يمشي على الأرض مطمئنا وذلكم هو الرسول الكريم سيد ولد آدم وحامل لواء الحمد يوم القيامة وأول شافع ومشفع يوم القيامة وأول من يجوز الصراط يوم القيامة وأول من يفتح له وبه باب الجنة يوم القيامة …

لقد صاغ الإنسان من جديد ليكون أثمن درة في عقد فريد…

لقد كان الإنسان ميْتا فأحياه الله بالإسلام …وفي غمرة النور الوافد بين يديْ خير وافدٍ صحا النائم يوما ورأى النور فما أغفى … ولكنه انتفض عملاقا جديدا يبني الحياة من جديد … وتحولت الخطوات المرتعشة الواجفة على حصباء مكة حركة تغمر الوجود كله بالنور والبركة … والعربي النافر من الحق كالغزال الشارد تحكمه من دين الله ضوابط فإذا هو فارس يمتطي صهوة جواده… يمزّق البساط الناعم ويمزق معه قيماً وعقيدة زائفة … ويصرخ بكلمات خالدة ” الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس … ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام … ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ” …لقد كانت هذه الكلمات شهب حق من ربعي الأعرابي العربي المسلم المؤمن التقي النقي …أرسلها في وجه” رستم” صاحب تاج الذهب وكرسي الذهب وسرير الذهب ليقول له : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وليبين للبشرية بأسرها هدف رسالة محمد عليه السلام وليؤكد أن السعة والسعادة لا تكون بالمتاع والرياش والذهب والمناصب …

في غمرة النور الوافد وُلدت الآمال وبعثت كوامن الشعور … وحوًل الرسول صلى الله عليه وسلم الخصومات مودة والتنافر انسجاما والبغضاء محبة … لقد وجد الإنسان ذاته الضائعة… وارتفع بعقله يرنو إلى السماء … وجد نفسه وما أروع أن يجد الإنسان نفسه بعد ضياعها بين وهج المصباح ورنين الأقداح ومتاهات الحياة … إنّ من يعيد إليك ذاتك لا تملك الوفاء بحقه ولو قدمت ملء الأرض ذهبا … وذلك هو الرسول الكريم الشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير …

ويعجبني ذلك الأعرابي الذي أضاع بعيره فراح ينادي في الطرقات:” من يرد لي بعيري فله بعيران؟!” …. فقيل له : واحد باثنين ؟! كيف يكون هذا ؟!

قال لهم: ” أنتم لا تعرفون متعة الوجدان ” وهنا يقفز السؤال بل الأسئلة إلى الذاكرة والعقل والروح والوجدان … منْ الذي عاد الينا بوجودنا ؟ منْ الذي عرفنا بخالقنا ؟ منْ الذي دلّنا على كل خير وحق ونور وحذرنا من كل باطل وظلم وشر ؟ منْ الذي رسم لنا المنهاج القويم ودلّنا على الصراط المستقيم ؟

منْ هو رحمة الله للعالمين ؟ منْ هو خاتم الرسل وإمام النبيين ؟

إنّه النور الوافد … ونفخر أننا أتباعٌ لأعظم الناس خلقا، وأحسنهم عملا، وأصدقهم نصحا، وأكثرهم خيرا للناس أجمعين:

ومما زادني شرفا وتيهـــــــــــــــــــــــــا وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَرت أحمد لي نبيا

وما أروع وأجمل وأبلغ جملة قالها خالد بن الوليد رضي الله عنه حين سُئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال للسائل:” أأطْنب أم أوجز ؟” قالوا : بل أوجز فقال: ” الرسولُ على قدْرِ المُرْسِل” المُرْسِل هو الله الذي له كلّ صفات الجلال والكمال سبحانه ……..

ما أعظم الإسلام مُرْسِلا ورسولاً ورِسالة !

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى