الديكتاتور الصغير في غرفة العناية!

الديكتاتور الصغير في غرفة العناية!

بسام الياسين

” في ظل الكآبة الوطنية،يجب على الدولة،ان تعالج القطاع العام، كما يعالج اطباء النفس، بتوجيه صدمة كهربائية للافاقة من الترهل،والارتقاء بالوظيفة العليا، من أَداة نصب الى مسؤولية تخضع للمساءلة.إذاك، سنرى عزوف اهل المنفعة عنها،وثبات اهل الامانة عليها لانها لم تعد”بقرة “.الجهلة ما الوا يطالبون الحكومة بالاصلاح ،وما عرفوا ان الحكومة، تعاني من ضعف وسوء اختيار في الرجال ؟!.الحل ولا حل سواه، اعادة بناء الانسان بالعلم والتعليم.غير هذا الكلام،كلام يتساقط من الافواه كالنشارة ويتلاشى في الهواء كخيط دخان ،،.

*** بنفاقه اللا مسبوق، و افعاله المشينة اعتلى هرم دائرته،و جمع ثروة كبيرة. حسده الاغنياء قبل الفقراء ـ لم يشكر الله ـ بل ظل يمتطي شهوة رغباته،والتمادي على الاخرين بسادية على مدار عمله التنكيلي. جاء اليوم الموعود.اصابه وجع عارض.لم يأبه به.عناده احد مقومات تركيبته النفسية.فشخصيته بالغة التعقيد. لم يأبه للوجع وواصل لهاثه خلف الدنيا. اشتد وجعه،فاضطر لاستشارة طبيبه.نصحه بمراجعة المستشفى لعمل التحاليل اللازمة. في المستشفى احتجزه الطبيب فوراً و اوصى بادخاله دون مناقشه،ثم طلب من مرافقه احضار مستلزمات نومه.سعاله الموصول،لهاثه المتصل،حركة العينين .اعراض استنفرت خبرة الطبيب العلمية.

مقالات ذات صلة

نظرة الطبيب، لم تخب،فقد دلت التحاليل ان المرض الخبيث مستفحل.قرر إجراء جلسات كيماوية وبإشرافه.فالمريض من علية القوم رتبوياً، وصاحب اسم له رنين مرعب. ايامه باتت قليلة.هو اليوم،سجين الغرفة الحثيثة.تذكر الزنازين الرطبة،ومعاناة من دخلوها ظلماً.هو الان مثلهم في غرفة ضيقة مربوط بالانابيب وكمامة الاوكسجين تُغطي وجهه.مقيد لا يستطيع الوصول الى الحمام الواقع على خطوات من سريره.

ـ يا سبحان الله ـ، لم يعد الذي كان. كان يأمر فيطاع.يشير باصبعه، فيركض الرجال صوبه ـ امرك سيدي ـ، طلباته اوامر،تنفذ بلا سؤال.تذكر انه كان يخلع من يشاء،ويزرع من يشاء بمجرد توقيع.الآن هو جثة هامدة تنتظر من يدفنها..الكيماوي يزيده شقاءً.شريط سريع مر في ذهنه…لم يحصل على كرسيه بالكفاءة، انما كان مكافاًة له، لا يدري بها الا عالم الغيب والشهادة.

المهم جاءه حظ لم يحظ بها العباقرة.صار احد رجالات المهمة ـ عكس ما كان في المدرسة ،في الجامعة. شخص عادي لم يتميز بشيء.امضى دراسته على الحافة.كان مسكونا بالخوف،ضعيف الشخصية،لذا يتحاشى اقرانه.

لم يفلح في شيء سوى إحتساء المنكر،وارتداء “البناطيل الضيقة” لدرجة ان اتهمه بعض الخبثاء بارتداء “بناطيل اخته “.

زرته في مرضه مع انه لا يحب ان يراه احد في حالة ضعف.ما ان ولجت العناية الحثيثة،و اذا بدمعة تفلت من عينية. لم يستطع حبسها رغم رباطة جأشة. تألمت عليه كانسان كيف هوى، من مكتبه الفخم للعناية المركزة ، متسائلاً في سري اين يفر هذا الشقي من الله ؟ّ!. خيم صمت على لقائنا قبل ان تلتقي عيوننا.بادرني بالقول :ـ اعترف بعد طول مكابرة،انني لم اذق السعادة في حياتي ،رغم هالتي المصطنعة.ظننت انني حققت الكثير لكنني لم اتخيل انني ساموت منبوذاً كاجرب.

الناس تنتظر اهالة التراب على جثتي.انفض الاصدقاء عني، عندما عرفوا ا ن شمسي افلت….اولادي يشحذون سكاكينهم لاقتسام ثروتي، منذ دخولي المستشفى .كنت افكر انني عبقري زمانه لا يُشق له غبار،و اشعر بالغبطة حين انصب الافخاخ لاصطياد الآخرين،وارسم المكائد للايقاع بالخصوم…ثقتي بنفسي تتعاظم عندما انفذ المهمات المستحيلة.إنقلبت الامور و انا سجين السرير،مثقل باكياس الدم،الجلوكوز،و اشياء اخرى اخجل الافصاح عنها،مثل دابة محملة باحمال ثقيلة، غاصت في ارض موحلة كلما تحركت غطست بالوحل اكثر.

اطرق قليلاً ثم استأنف حديثه :ـ قبل ايام زارني ابني الاصغر،و انا بين اليقظة والنوم بعد جرعة كيماوية مؤلمة. عرفته من صوته، شعرت بانفاسه تقترب من وجهي.ظننت انه سيطبع قبلة حانية على جبيني.لكنه كان يقترب ليتأكد انني نائم.سمعته يسأل الطبيب بلهفة، هل سيعيش والدي طويلاً ؟. اجابه :ـ الاعمار بيد الله اما طبياً فالتقارير تقول :ـ ان ايامه معدودة…رد الولد المدلل :ـ ” الله يطمنك يا دكتور….لقد تعذب والدي كثيراً،ولا احب ان اراه يتلوى الماً…ربنا يخلصه من اوجاعه و “يختار إله الاحسن “.وخرج ليلحق ” زفة القسمة “.

قطع كلامه حين دخلت الممرضة لإعطائه حقنة.وعندما خرجت قال :ـ انا الان في مواجهة مع ضميري، فاقطف ثمار ظلمي لنفسي .اطبق عينيه وبدأ يشخر كشاحنة متهالكة تصعد احد المرتفعات، بينما صدره ينفث ريحه مثل كير حداد يستعمل الفحم الوسخ…ضغطت الجرس لاستدعاء الطواريء. جاء الطبيب المقيم.وضع السماعة على قلبه،وراح يتفحص دقاته،ما لبث الا ان نزع السماعة قائلاً :ـ لقد انتهى امره ، لا تلعنه.اترك حسابه لله فـهذا الرجل اعرفه، لم يترك احداً من شره،انا احد ضحاياه عندما كنت طالباً جامعياً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى