البيعة إختيارية يا خيطان

البيعة إختيارية يا خيطان

المحامي أشرف الزعبي
مرة أخرى يطل علينا فهد الخيطان، بمقال يستفز فيه الأردنيين، ليقول لهم أن بيعتكم للهاشميين بيعة إجبارية، ويقول أن البيعة حصلت في التاريخ الأردني لمرة واحدة، بيعة أبدية، وإن دعاة التغيير ومطالبي الإصلاح، عن طريق تعديل الدستور – العقد الإجتماعي – يضربون تلك البيعة، لذلك فهو بالضد من تلك المطالبات، ويطلب من الأردنيين الأكتفاء بتعديلات التشريعات العادية، وكأنه يقول أن العقد الاجتماعي بين الأردنيين فيما بينهم، وبينهم وبين الهاشمين، هو عقد نهائي غير قابل للنقاش، وهو بذلك يستفز كل أردني، يطمح في وطن يواكب التطور والتحديث، في وطن يريد إستعادة دستور 1952، بل يطمح ويرغب بمزيد من التعديلات الجوهرية عليه.
إن البيعة، والعقد الاجتماعي بين الأردنيين والهاشميين، هي بيعة إختيارية رضائية، كانت ولا زالت، وان الأردنيين يعبرون عن ذلك في كل مناسبة ، وهم إرتضوا هذه العائلة ميزانًا بين الأردنيين، وكي أنشط لك ذاكرتك، فالأردنيون هم من طالب بأمير عربي لحكم الأردن، عندما كان الأردن بثلاث حكومات، واحدة بالكرك، وواحدة في البلقاء، وثالثة في عجلون، فكان الطلب من وجهاء الأردن، بحكومة موحدة تحت قيادة أمير عربي، حدث ذلك في مؤتمر أم قيس في 2/9/1920، أي قبل قدوم الامير عبدالله إلى مدينة معان في 21/11/1920، ودستور 1952 لم يكن أبدا تطوراً للقانون الأساسي في عهد الانتداب، الذي صدر في العام 1928، بل إن الأردنيين الأوائل أعضاء المؤتمر الأردني الأول، واللجنة التنفيذية المنبثقة عنه، ومعهم كل الأردنيين، حاربوا هذا القانون، حرباً ضروس، بإعتباره منتجاً إستعمارياً، وأصدروا بحقه وبحق كل الإجراءات والتصرفات البريطانية ما أسموه ” الكتاب الاسود “، إن إستقبال الأردنيين للأمير عبدالله في معان، وقبل ذلك المطالبة في مؤتمر أم قيس، ثم إنعقاد الموتمر الأردني الأول المعقود في عمان بتاريخ 25/7/1928، وتلاه المؤتمر الأردني الثاني المعقود في عمان بتاريخ 2/12/1929، ثم المؤتمر الأردني الثالث المعقود في إربد بتارخ 25/5/1930، كل هذا الجهد الوطني، أدى الى تشكل ووجود الكيان الأردني الحالي، فالبيعة القانونية حدثت في الإجتماع الأول للمجلس التشريعي الأردني في العام 1946.


إن دستور ،1952 هو نتاج حركة وطنية أردنية، تلاقت مع رغبة حقيقة للملك طلال، في بناء وطن يقوم على دستور عصري، تكون فيه الأمة مصدر السلطات، وكان هذا الدستور، في ذلك الوقت من أكثر الدساتير في المنطقة، تاصيلاً وتثبيتاً لمبدأ الفصل بين السلطات، ولنظام حكم ملكي نيابي وراثي. إن العقد المعقود بين الاردنيين والهاشمين، أساسه المؤتمر الوطني الأردني الأول، وما تلاه من مؤتمرات، وليس القانون الأساسي نتاج الانجليز للعام 1928، وقد وصل الأردنيون، مع الملك طلال الى دستور 1952، هذا ما يجب قوله لتصح الرواية التاريخية. ولنعطي الأردنيين والهاشميين حقهم، ففي لحظة التعثر الوطني، بعد إنعقاد المؤتمر الأول والثاني، تدخل الأمير عبدالله ليصلح الخلاف الذي نشب بين بعض أعضاء المؤتمر الأول وبين باقي اللجنة التنفيذية، كل ذلك لأن الأمير عبدالله، أعتبر الحركة الوطنية ممثلة باللجنة التنفيذية، عوناً له وسنداً في مواجهة البريطانيين، الذين كانوا يحكمون مفاصل البلاد انذاك.


فهل التغيير في العقد الإجتماعي، مقبولاً من جهة دون أخرى، ألم تنص المادة ( 24 ) من الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، وكيف تُقنع الأردنيين يا خيطان، وأنت لم تتعرض لتعديل في مفاصل دستور 1952، فقد عُدل الدستور ( 12 ) مرة، أخطرها تلك التعديلات، التي طالت المواد المتعلقة بعقد المعاهدات، وذاك التفريق الأعوج، بين معاهدات تستوجب موافقة مجلس الأمة، وأخرى لا تستوجب، وتلك المتعلقة بتمديد مدة ولاية مجلس النواب، وأخطرها تلك التي تمت في العام 2016، فهل كان الملك بحاجة لدسترة تعيين قائد الجيش، والمخابرات، والدرك، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ؟ أجزم بان من أشاروا بذلك، ومن قرروه، لم يتبصروا بأن المسؤولية، تدور مع السلطة وجوداً وعدماً، وأن إعطاء هذه السلطات لرأس الدولة مباشرة، دون تنسيب من أي جهة، يجعله – بإجماع الفقه الدستوري – مسؤولاً عن تصرفاتهم، فحيثما تكون السلطة تكون المسؤولية.


لقد آن الأوان، لمن يصنعون المواقف بين الهاشمين، وبين الشعب التوقف عن ذلك، وإن القول بان البيعة أبدية، قولا يرمي لإستفزاز المقابل، ليرد على خيطان بقوله إنها مؤقته؟ والقول بأن العقد نهائي لا تبديل، ولا تغيير فيه، قد يرمي للقول بنكث هذا الدستور، وهذا ما لم يقل به أردني واحد، إنهم مع البيعة، وإنهم مع إعادة دستور 1952 مع تعديلات جوهرية، تصل لحكومة برلمانية، مسؤولة وصاحبة ولاية عامة، ولا نتردد بالقول، نعم لملكية دستورية ضمن الأطر الديمقراطية، وان تجارب الدول المتقدمة تؤكد نجاحها، بريطانيا ملكية دستورية ناجحة، وكذلك بلجيكا والسويد واسبانيا واليابان، كلها ديمقراطيات ناجحة والقول بغير ذلك يصم الأردنيين بعدم النضوج.
إن الموالاة غير الحقيقية، هي ضد الأردنيين والهاشميين على السواء، وهم يضعون مؤسسة العرش في مواجهة الناس، وهذا ما لا يريده أحد، وعلينا جميعا واجب تعريتهم. أستذكر هنا ما قاله الامير عبدالله الأول في تموز من العام 1929 [ إن البعض يقول بأنني مستاء من المعارضين، الذين رفضوا الدخول إلى المجلس التشريعي، والذين دخلوه منهم. حاشا ثم حاشا أن يكون ذلك، لأنني اعتقد بأن المعارضين هم اشرف اناس، واخلصهم، وهم الذين كانوا عونا لي منذ كنت في معان، وأوصلوني إلى هنا، وما زالوا يخدمون البلاد بكل اخلاص، وعليهم يتوقف نجاح البلاد وتقدمها. وهم ليسوا كغيرهم متقلبين لا يعرف لهم مبدأ ].
حمى الله الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى