احتفظ بأفكارك!

احتفظ بأفكارك!
د. محمد شواقفة

لا أعرف توثيقا لهذه الحكاية التي قصها علي صديق عن سجين في بلد بعيد. كان هذا السجين منطويا على نفسه و يقضي معظم وقته وحيدا غير عابئ بما يدور بالسجن من حوله. كان حراس السجن يتعاملون معه بلطف و احترام مختلفين عن زملائه المساجين.
أوغرت تلك المعاملة اللطيفة و المميزة بعضا من الغيرة و الحسد في قلوب المساجين الذين لم يجدوا لذلك أي تفسير. و بدأوا يتسائلون و يتهامسون فيما بينهم عن سبب تلك المعاملة الخاصة الى أن وصل بهم الحال للاعتقاد بأنه قد يكون عميلا مدسوسا أو لربما كان ينقل عنهم ما يدور في كواليس السجن للحراس. كان دائم الدفاع عن نفسه و ينكر كل تلك الاتهامات و الادعاءات، و تحت الوعيد و التهديد اضطر ان يبوح لهم فيما يعتقد أنه السر!
أخبرهم بأنه يكتب في رسائله لزوجته خارج السجن في كل اسبوع كلاما عاما خاليا من اي تفاصيل مهمة و كان يختم الرسالة بعدة جمل عارية عن الصحة تماما يمتدح فيها موظفي السجن و الحراس على حسن تعاملهم، حتى أنه كان يتجاوز ذلك الى مدح بعضهم بالاسم و يختلق لها بعض القصص الوهمية عن معاملتهم الراقية مما يهون عليه ايام السجن و مدته. كان يعلم أن جميع الرسائل يتم فتحها و قراءتها قبل ان تخرج من بين الاسوار. و هو يدرك انه الوحيد الذي قد يذكر هؤلاء الجبارين بما ليس فيهم كذبا و زورا و بهتانا و لكنه يعلم أن هذا المديح الكاذب يعجبهم! لذلك كانوا يعاملونه بطريقة ألطف من غيره كمكافئة على نفاقه و تملقه.
في نهاية الاسبوع كان تعامل الحراس مع الجميع سيئا أكثر و كانت المفاجئة أن تعاملهم مع صاحبنا كان الاسوأ دون أن يستوعب ذلك. و اجتمع مع صحبه من المساجين ليفهم ما حدث، فأخبروه بأنهم كتبوا في رسائلهم، لاحبتهم بأنهم تعلموا من صديقهم الكاذب فيما يخص معاملة الحراس الفظة و هم يكتبون غير تلك الحقيقة لكي تنطلي هذه الحيلة على الحراس الاغبياء و بذلك تتحسن معاملتهم لهم كما حدث معه بالضبط.
لنكتب دائما في رسائلنا لأحبتنا أننا نحب الحكومة و نؤيدها في كل ما تفعله بنا وجاهة أو عن بعد لكن لا تخبروا أحدا و ليكن ذلك سرنا و ارموه في البئر البعيد بأن ذلك غير صحيح!! .

“دبوس على الكلمة الصادقة”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى