أهمية القواعد العسكرية في العالم

أهمية #القواعد #العسكرية في العالم
موسى العدوان

رغم تطور التكنولوجيا العسكرية في العصر الحديث، وقدرة الدول الكبرى على إطلاق الصواريخ من قواعد أرضية أو بوارج حربية، تبعد آلاف الأميال عن أهدافها، فتصيبها بدقة متناهية اعتماد على أقمارها الصناعية، إلاّ أن القواعد العسكرية في أراضي الغير، ما زالت تحظى بأهمية استراتيجية بالغة، تحقيق المصالح الحيوية لتلك الدول.

ومع أن القواعد البرية والبحرية، التي تقام على أراضي وشواطئ بعض الدول المضيفة، تمثّل غالبا هيمنة الدول القوية وسيطرتها عليها، إلا أنها تدخل أحيانا في خانة التحالف والتعاون بين الدول الكبرى، في سياق استراتيجية مشتركة، تحقق أهداف المشاركين بها. وقد يكون الغرض من القواعد العسكرية بشكل عام، أحد العوامل التالية :

  1. الحفاظ على أمن دولة حليفة من أي اعتداء خارجي، ومساعدتها في قضايا مكافحة الإرهاب.
  2. أيجاد قواعد متقدمة يمكن الانطلاق منها لمهاجمة عدو محتمل، اختصارا للمسافة والوقت.
  3. مراقبة نشاطات العدو العسكرية والاستخبارية، وخاصة في ظروف الحرب الباردة بين الدول الكبرى.
  4. الهيمنة على دولة معينة واستغلال ثرواتها الطبيعية كالنفط والغاز وغيرهما.
  5. التحكم والسيطرة على المضائق والممرات البحرية، لأغراض عسكرية أو وتجارية.

ولهذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم قدراتها العسكرية والاقتصادية العظمى، إلاّ أنها تحتفظ بحوالي 800 قاعدة مختلفة في أكثر من 70 دولة في العالم. ويهدف هذا التواجد، فرض الهيمنة والنفوذ على الدول الضعيفة، وحفظ التوازن الاستراتيجي مع الدول الكبرى.

مقالات ذات صلة

وكذلك تفعل بقية الدول الكبرى، وإن كانت بنسبة اقل من الولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ أنها تحاول إيجاد قواعد عسكرية لها في الشرق الأوسط، وأوروبا، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية، خدمة لمصالحها في كل مكان. وهذه القواعد تخضع عادة لاتفاقيات تقرها برلماناتها مع الحفاظ على سيادتها كدول مضيفة. وفي بعض الحالات قد تدفع الدول المستخدِمة لتلك القواعد العسكرية، أجرا للدولة المضيفة مقابل ذلك الاستخدام إن كانت خارج التحالف.

فعندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق مؤخرا، استحوذت الولايات المتحدة على 12 قاعدة عسكرية في الأردن، من خلال ” اتفاقية التعاون الأردني الأمريكي ” المعقودة بين الطرفين لمدة 15 عاما. فمنحت الاتفاقية الولايات المتحدة شاملا المتعاقدين معها، حرية التصرف بها كما تشاء، كأي قاعدة للقوات الأمريكية على الأرض الأمريكية، دون امتلاك الأردن حق الاعتراض أو السؤال عما يجري بداخلها. وهذا يعتبر تكريسا ملنا للنفوذ الأمريكي، وخرقا واضحا للسيادة الأردنية على أرضه.

وفي هذا السياق، فقد خرج علينا قبل أيام أحد الكتاب الأردنيين – ولا أعرف من أي كلية حرب أو كلية دفاع تلقى علومه العسكرية – ليؤكد لنا أن وجود هذه القواعد العسكرية، لا يعتبر خرقا للسيادة الأردنية، وإنما يأتي في إطار التعاون والتدريب، ونقل الخبرات والتكنولوجيا، كما هو الحال في القواعد المستخدمة في الدول الكبرى.

أعتقد أن الكاتب لم يقرأ اتفاقية ” التعاون الأردنية الأمريكية ” جيدا، وإلا لما طرح أفكاره الاستراتيجية التي تجافي الحقيقة، وتناقض بعضها بقوله : ” ونحن لا ننكر فكرة أن القاعدة العسكرية، هي امتداد لنفوذ الدول الكبرى أو الإقليمية الطامحة بالنفوذ ومنافسة غيرها . . . “. متجاهلا أن هذه الاتفاقية ينقصها الشرط الأساسي لقوننتها، وهو مصادقة البرلمان الأردني عليها، تمشيا مع ما ورد في نص المادة 1 من الدستور الأردني والتي تقول : “

المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، مُلْكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه . . . “. ونحن في هذه الحالة نزلنا عن حقنا في 12 قاعدة من أراضينا وحولناها إلى الغير بدون ثمن.

لقد تضمنت الاتفاقية 19 مادة، تعمل جميعها في خدمة مصالح الولايات المتحدة، وليس بينها مادة واحدة تنصف الأردن وتضمن حقوقه، ولا أعرف إن كنا قد تنازلنا عنها طوعا أو كرها، إضافة لخرقها السيادة الأردنية على ارضه. لقد خالفت هذه الاتفاقية جميع الاتفاقيات التي تعقد بين الدول ذات الكرامة، والتي لا تقبل ما يتعارض مع أمنها الوطني. فعلى سبيل المثال البرلمان التركي لم يسمح بنشر القوات الأمريكية في ” قاعدة إنجيرلك ” التركية، والتي كان مخططا لها اجتياح العراق في حربها عام 2004.

وهنا أود أن أسال الكاتب المحترم : من هي دول الجوار التي تهدد أمننا الوطني، عدا عن دولة الاحتلال الإسرائيلي ؟ علما بأنها تتلقى أوامرها من الولايات المتحدة الأمريكية، ويهمها بقاء الأردن قائما ككيان مجاور لإسرائيل بأي صورة من الصور، لأن في ذلك حفظا لأمنها واستقرارها ؟ ويبدو أن هذه القواعد الأمريكية، وُجدت على الأراضي الأردنية كمواقع متقدمة، لأي عمليات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط مستقبلا.

صحيح أن الولايات المتحدة تقدم للأردن مساعدات مالية، ومساعدات تدريبة لقواتها المسلحة وهذا ليس أمرا جديدا وليس ثمنا للقواعد العسكرية الجديدة. فقد بدا ذلك البرنامج منذ خمسينات القرن الماضي، في عهد الرئيس الأمريكي آيزنهاور وما زال مستمرا حتى اليوم، كما هو حال الدول الدائرة في الفلك الأمريكي والمرتبط به.

يضيف الكاتب في مقاله : ” ونحن دولة وأمة صغيرة وسط إقليم ملتهب، ولا أرى ضيرا في وجود قاعدة أو اثنتين لدولة مثل الولايات المتحدة عندنا، فهذا يصب في إطار المصلحة الاستراتيجية العليا للبلاد “. وما دمنا دولة وأمة صغيرة، فهل هذا يفرض علينا تقديم 12 قاعدة عسكرية للولايات المتحدة بشروط مجحفة ؟ لقد مر على الأردن منذ تأسيسه وحتى اليوم ما يزيد عن مئة عام، تخللتها ظروف قاسية وخطيرة، ولكنه صمد أمامها ودافع عن نفسه، دون وجود قواعد أمريكية على أرضه دافعت عنه.

وختاما أقول : أن القواعد الأمريكية الاثنا عشر ( حتى الآن ) على الأراضي الأردنية، وحرمانه من الإشراف عليها، أو الحصول على أجر مادي على الأقل مقابل استخدامها، هو في رأيي مؤشر واضح بالهيمنة الأمريكية على القرار الأردني حتى بأبسط أشكاله.

كما أنه يشكل انتهاكا صارخا لسيادته على أرضه، وانتقاصا من حقوقه المشروعة. فإن كانت هذه الاتفاقية بصورتها الحالية قد تمت بتفاهم بين الطرفين، فهي برايي غير مقبولة. وإن كانت قد تمت ” كاتفاقية إذعان ” وبسلطة القوي على الضعيف . . فأمرنا لله . . !

التاريخ : 25 \ 9 \ 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى