هل هناك صراع خفي بين بلجيكا وفرنسا يستغله تنظيم الدولة؟ / ماهر عدنان قنديل

هل هناك صراع خفي بين بلجيكا وفرنسا يستغله تنظيم الدولة بمكيافيلية كبيرة؟ هذا السؤال لم يطرحه أحد لغاية الأن.. لكنه سؤالاً يبدو منطقياً يجب طرحه، بما أن الكثير من المؤشرات تؤكد على وجود مشاحنات وتشنجات كبيرة بين الجانبين سياسياً وأمنياً وهذا منذ مدة ليست قصيرة بسبب إختلاف السياسات القانونية والأمنية بين البلدين.. ويبدو أن هذه المشاحنات بدأت منذ الضغوطات السياسية التي شنتها “فرنسا” على “بلجيكا” للسماح لها بدخول فرقها القانونية والأمنية إلى “بلجيكا” عقب هجمات 13 نوفمبر 2015 التي ضربت “باريس” للبحث عن “الكاميكاز” الذي لم يفجر نفسه “صلاح عبد السلام” والذي ظل مختفياً بعيداً عن الأنظار إلى غاية القبض عليه قبل أسبوع..
الضغوطات الفرنسية لم تتوقف عند هذا الحد، بل طلبت من بلجيكا كذلك أن تتحمل كامل مسؤولياتها فيما يخص حماية الحدود التي تربط بينهما، وقد يكون الأمر قد وصل بفرنسا إلى غاية تحميل “بلجيكا” جزءً كبيراً من مسؤولية وصول المجموعة التابعة لتنظيم الدولة للحدود الفرنسية بتلك السهولة التامة بسبب الغفلات والسهوات الأمنية البلجيكية داخل الحدود البلجيكية، رغم أنه واقعياً يتحمل الجهازيين الأمنيين الفرنسي والبلجيكي المسؤولية بنفس المقدار..
منذ بداية الصراع في سوريا، ووصول الجهاديين إليها من كل أصقاع العالم، تعتبر “بلجيكا” أكثر دولة أوروبية إلتحق منها عناصر بتنظيم الدولة، ومن هنا، بدأ إنزعاج بعض الدول الأوروبية من “بلجيكا”، خصوصاً أنها أظهرت تسامحاً أمنياً وتشريعياً كبيراً في التعامل مع هذه العناصر خلال عودتهم من سوريا، وذلك يرجع إلى كونها تعتمد نظاماً سياسياً إتحادياً لا مركزياً (أي أنها تتكون من ثلاث أقاليم لا يوجد تنسيق أمني وتشريعي بينها)، وكذلك لكونها دولة شبه محايدة دولياً..
المراقب الدقيق للوضع سيلاحظ بدون شك أن هناك توتراً بين “بلجيكا” و”فرنسا” ظاهر بين السطور في الصورة العامة قبل وبعد هجمات “بروكسل”، من خلال الضغوط السياسية الفرنسية بتسليم “صلاح عبد السلام”، وغلق الحدود البلجيكية الفرنسية ساعات قليلة فقط بعد الهجمات على مطار “بروكسل”..
الصراع بين بلجيكا وفرنسا ليس وليد أسابيع أو أشهر قليلة، بل له جذوراً تاريخية كذلك، ولعل معركة “واترلو” البلجيكية الشهيرة في جنوب “بروكسل” التي هُزم فيها إمبراطور فرنسا “نابليون” أمام قوات التحالف خير دليل على ذلك، حيث وقفت “بلجيكا” التي كانت تشكل جزءً من ما كان يسمى مملكة “هولندا المتحدة” (أو مملكة البلجيك) ضد نابليون..
المتتبع كذلك للتاريخ يعلم أن “بلجيكا” كانت دائماً تمثل الحلبة الخلفية في الصراعات الأوروبية، وكلما ضعفت أوروبا إنتقل الداء تلقائياً إلى “بلجيكا” لأنها تمثل حلقة الوصل بين الجنوب والشمال..
الصراع بين البلدين لا يقتصر فقط على الناحية السياسية والتاريخية، بل هو متواجد كذلك في الناحية الثقافية داخل بلجيكا، وذلك من خلال الصراع التاريخي بين الفرنكوفونيين المتأثرين بالثقافة الفرنسية في الجنوب داخل إقليم “الوالون”، وبين المتأثرين بالثقافة الهولندية في إقليم “الفلاموند” في الشمال.. وحيادية إقليم “بروكسل” في الوسط، هذا مع وجود تأثير قليل جداً للثقافة الألمانية داخل “بلجيكا”..
كل هذه العوامل ساعدت بدون شك تنظيم الدولة، وجعلته يصول ويجول براحة كبيرة داخل بلجيكا، ويمكن القول أنه في ظل إستمرار المشاحنات السياسية بين بلجيكا وفرنسا من جهة، وبين مختلف الأقاليم داخل “بلجيكا” من جهة أخرى، سيجد “تنظيم الدولة” ضالته لتحقيق مأربه..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى