عملية إسرائيلية في أصفهان الإيرانية: ثلاثة عصافير بـ”مسيّرة” واحدة

#سواليف

#إسرائيل ما تزال تلتزم الصمت حيال الهجمة المضادة المنسوبة لها في #أصفهان، هذا الصباح، لكن وزيراً ونائبة من الائتلاف الحاكم يتطرقان لها بالتلميح، الأول يُعرب عن عدم رضاه لكونها ضعيفة وخفيفة، والثانية تفاخر بها، وسط محاولات من كل الأطراف (الدولية أيضاً، إضافة لإيران وإسرائيل) لرشّ الماء البارد ومحاولة تصوير الهجمة بحجم صغير، كلٌّ لحساباته.

ونقلت القناة العبرية الثانية عشرة عن مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قولها إن تغريدات بن غفير وغوتليب، اللذين ألمحا لمسؤولية إسرائيل عن الهجمة، مثيرة للقلق.

ونقلت وسائل إعلام عبرية أن وزراء إسرائيليين، محجوبي الهوية، هاجموا بن غفير، واعتبروا تغريدته غبية، وتهديداً لأمن إسرائيل.

لبيد: لم يحصل في السابق أن نجح وزير بأن يلحق ضرراً فادحاً كهذا بأمن إسرائيل، صورتها، ومكانتها الدولية.. كما فعل بن غفير، وبكلمة واحدة

وهذا ما أكده رئيس المعارضة يائير لبيد، الذي شن هجوماً على بن غفير: “لم يحصل في السابق أن نجح وزير عضو الكابنيت أن يلحق ضرراً فادحاً كهذا بأمن إسرائيل، صورتها، ومكانتها الدولية. في تغريدة لا يمكن الصفح عنها نجح بن غفير، وبكلمة واحدة، بالسخرية من إسرائيل، والإساءة لصورتها من طهران إلى واشنطن. كل رئيس حكومة كان يبعد ببن غفير من الحكومة المصغرّة هذا النهار. كذلك الوزراء ممن يجلسون لجانبه ويصمتون كالخراف ليسوا نظيفين من المسؤولية، فهم جزء من فشل أمني وقيمي لا يغتفر”.
باقة ورد من طهران لبن غفير

كما قال معلق سياسي في الإذاعة العبرية العامة، اليوم، إن تغريدة بن غفير غبية لأنها تشوّش حاجة إسرائيل لنزول محترم عن الشجرة، وربما يستحق “باقة ورد” من إيران، فهو يصب الماء على طاحونتها، ويعزّز مساعيها لتقزيم الضربة الإسرائيلية وتسخيفها.

رسمياً؛ إسرائيل تصمت ولا تعلن مسؤوليتها عن الهجمة، رغم أنها أكدت عشرات المرات، في الأيام الأخيرة، نيّتها على الرد على هجمة إيران. لكن وسائل إعلام أجنبية تنقل عن مسؤولين إسرائيليين تأكيدهم قيام إسرائيل بأن “جيشنا قام بشن غارة جوية داخل إيران، رداً على هجومها بالصواريخ عليها، ليلة السبت الماضي”.

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الهدف من الضربة إرسال رسالة لطهران، بأن لدينا القدرة على الضرب داخل إيران.

يشار إلى أن #إيران نفت رسمياً تعرضها لهجمة إسرائيلية، وتتحدث عن ثلاث #مسيرات_صغيرة هاجمت موقعاً في أصفهان، وتمّ التصدي لها. فيما واصلت التأكيد على استمرار الحياة بشكل طبيعي بالكامل، بما في ذلك حركة الطيران منها وإليها.

كما نقلت القناة 12 العبرية عن الجيش الإسرائيلي تقديراته بأن الهجوم على إيران انتهى، لكن إسرائيل تحافظ على حالة تأهّب عالية. وينعكس هذا في تصريحات وتسريبات لمسؤولين أمريكيين نأوا بالولايات المتحدة عن الضربة، وأكدوا أنها محدودة. وفي هذا المضمار؛ نقل موقع إكسيوس عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن واشنطن حذّرت من أن التصعيد مع إيران لن يخدم مصالح أمريكا وإسرائيل.
رش الماء البارد

وبعدما كانت قد هدّدت بالرد على الرد خلال ثوانٍ، بشكل أوسع وأصعب، تحاول إيران نفي، أو تقزيم، الضربة المنسوبة لإسرائيل في أصفهان بشتى الطرق، بما يشي أنها غير معنية بالتصعيد.

كذلك إسرائيل، فصمتها رسمياً يعني هو الآخر رغبتها بعدم التصعيد، وبعدم تحمّل مسؤولية، تحاشياً لإحراج إيران وحشرها في الزاوية، ودفعها بالتالي للرد.

كانت إسرائيل، ائتلافاً ومعارضة، قد أجمعت على ضرورة الرد على هجمة إيران التي مسّت بهيبتها وقوة ردعها، لكن بحذر، ودون إشعال فتيل حرب إقليمية. وكانت تميل، منذ البداية، لرد محدود يحفظ لها ماء وجهها، ويمكنها من إيصال رسائل للإيرانيين والإسرائيليين وللعالم، أصدقاء وأعداء، بأنها قادرة على الرد في العمق الإيراني، لكن دون أن تنزلق لحرب معها لا تريدها هي أيضاً. فأولاً إسرائيل لا تستطيع من الناحية العسكرية والإستراتيجية فتح مواجهة واسعة مع إيران دون مشاركة الولايات المتحدة، وهذا ما أكده عددٌ من الجنرالات في الاحتياط، آخرهم قائدا سلاح الجو الأسبقان إلياهو بن إيتان ودان حالوتس، في تصريحات لقناتي 12 و 13 العبرية، قبل يومين.
المحاذير الإسرائيلية

وما زاد من حذر إسرائيل فشل توقّع استخباراتها العسكرية لضربة ثأرية إيرانية، حيث كانت أبلغت المستوى السياسي تقديراتها بأن طهران تتجه لامتصاص الضربة بعد اغتيال الجنرال زاهدي في دمشق، وأنها لن تطبّق تهديداتها. وربما هذا ما دفع أغلبية الإسرائيليين لتأييد رد محدود فقط، كما عكس استطلاع لجامعة تل أبيب، قبل أيام، فالإسرائيلي المتوسط يدرك بالفطرة خطورة الانزلاق لحرب جديدة الآن.

وثانياً، إسرائيل تفشل في تحقيق أهداف حربها المعلنة على حركة “حماس” في غزة، منذ ستة شهور، رغم جرائمها اليومية، وتدميرها، ما يعني أنها تأخذ بالحسبان رداً على الرد من قبل إيران، يداهمها، وهي غير معنية بالتصعيد، خاصة أنها تخشى انضمام “حزب الله” لحرب واسعة، فيما الجبهة الداخلية في إسرائيل غير قادرة على امتصاص المزيد من الضربات الموجعة، وتماسك الجبهة الداخلية بات جزءاً أساسياً من عقيدتها الأمنية. ويضاف لذلك أن نتنياهو يميل عادة للابتعاد عن المواجهات العسكرية، فهو، بتجربته الطويلة، يدرك أن اللعبة مع إيران مختلفة، وأن هناك حدوداً للقوة.

وثالثاً، تتحاشى إسرائيل التورّط بحرب واسعة، كي تستثمر “انضباطها” واكتفاءها بردّ محدود في إيران في الناحية الدبلوماسية، كي تستعيد تعاطف دول الغرب معها، بعدما باتت دولة منبوذة نتيجة جرائمها في غزة. وربما تكسب هدايا ترضية لها، على شاكلة زيادة القيود على إيران، ومحاصرة مشروعها النووي، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والحصول على ضوء أخضر لاستمرار الحرب والاجتياحات الجديدة في رفح وغيرها.

كما تريد إسرائيل، برئاسة نتنياهو، عدم التفريط بحلم التطبيع مع السعودية، وعدم إسقاط نظرية بايدن بالكامل، الداعية لانتقال إسرائيل للطابق الإستراتيجي، والذهاب لصفقة كبرى تشمل مساراً لتسوية القضية الفلسطينية (مفاوضات)، وتطبيعاً مع السعودية، وتحالفاً عربياً- غربياً ضد إيران.

على خلفية هذه الاعتبارات وغيرها، تهدف إسرائيل، من خلال ضربة خجولة في إيران، إلى محاولة اصطياد عصفورين بمسيّرة واحدة: الرد على إيران، وترميم قوة ردعها (تزامناً مع عيد ميلاد علي خامنئي، اليوم الجمعة)، وهذا نوع من النزول عن شجرة عالية، والثاني تحقيق مكاسب سياسية دبلوماسية مقابل الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

كان هذا هو المزاج السائد في أوساط الرأي العام في إسرائيل، حيث دعا مسؤولون سياسيون وعسكريون سابقون ومراقبون كثر للحيطة وللإصغاء للولايات المتحدة وللحلفاء العرب والغربيين وعدم التورط بحرب إقليمية خاصة الآن.

بعدما هدّدت بالرد على الرد خلال ثوانٍ، بشكل أوسع وأصعب، تحاول إيران نفي، أو تقزيم، الضربة المنسوبة لإسرائيل في أصفهان بشتى الطرق

تبيع بضاعتها مرتين

إسرائيل مثلها مثل تاجر يبيع بضاعته ذاتها مرتين، والسؤال الآن هل رممت إسرائيل قوة الردع واستعادت الهيبة في هذه الضربة المضادة؟

يبدو أن الرغبة في اصطياد عدة عصافير في حجر واحد تتحقق، وتكون عملية ذكية وموفقة، بيد أن الضربة الإسرائيلية، ورغم كونها في عمق إيران، على قاعدة عسكرية في أصفهان، لم تحقق الكثير لإسرائيل، من ناحية استعادة هيبتها وتعزيز قوة ردعها، مقارنة مع الفترة التي سبقت ليلة المسيّرات الإيرانية، السبت الماضي، فهي ضربة صغيرة أظهرت ارتداعها عن التورط بمواجهة واسعة مع إيران، ضربة لم تحدث أضراراً فادحة، أو على الأقل لا توجد صورة لأضرار كهذه. وربما هذا ما دفع الوزير بن غفير للتعبير عن إحباطه منها بالقول: “رد ضعيف”، في تغريدته المذكورة، وهو بذلك يعكس، ربما، موقفه الحقيقي، وليس فقط مخاطبة جمهوره المتشدد المتعطش للدم والانتقام بشكل أوسع.
قوة ردع واستعادة هيبة؟

من جهته، عبّر مستشار الأمن الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، في حديث للإذاعة العبرية العامة، عن عدم رضاه من الضربة الانتقامية الإسرائيلية بقوله: “هذا رد متذاكٍ .. تذاكٍ على الذات، وعلى أمريكا، وعلى إيران. فالرد محدود، وبواسطة مسيّرات صغيرة تم تفعيلها من داخل إيران، لا طائرات مقاتلة إسرائيلية”.

ورداً على سؤال حول قوة الردع، اليوم الجمعة، قال آيلاند، ما معناه، أنه كان بالإمكان التنازل عن هذه الضربة الصغيرة لأن منفعتها قليلة، لكنها غير مضرة.

وتابع: “كذلك فإن صورة إسرائيل، متحالفة مع دول عربية وغربية، فيها ردع لإيران أكثر من ضربة صغيرة كهذه في أصفهان”.

في المقابل، قال الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف للإذاعة العبرية، اليوم، إن “الضربة مجرد رسالة معنونة لإيران، مفادها أنه لا مصلحة لإسرائيل بحرب، أو جبهة ثالثة، فالحرب مع إيران قصة ليست سهلة.. هجمتكم الواسعة فشلت، ولكن نحن في هجمة صغيرة محدّدة نجحنا في اختراق منظوماتكم الدفاعية، والتسبّب بضرر في موقع حساس داخل العمق الإيراني: إشارة، أو رسالة، ترتبط بقدراتنا بلوغ أهداف حيوية داخل إيران”.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى