بوابة المستقبل / د . هاشم غرايبة

بوابة المستقبل
لم تعد أحلام الوحدة العربية مناط آمال المواطن العربي ، بعد إذ وُأِدت على أيدي أنظمة الحكم القومية ، تلك التي ظلت تتغنى بها منذ قرن من الزمان ، ثم تبيّن أن كل ذلك مثل حكايات ما قبل النوم التي تهدهد الطفل حتى يغفو .
يبدو أنها ترنيمة استعملها الإستعمار وأوكل مهمة ترديدها للأنظمة ، استكمالا لمؤامرة التقسيم ، وإلهاء الناس عن ما جرّه اسقاط الدولة العثمانية من شرذمة للأمة ، التي بقيت موّحدة فعليا في البداية وشكليا في النهاية ، منذ تأسست نواتها في المدينة المنورة ثم توسعت حتى شملت كافة أقطار الأمة ، شرق المتوسط وجنوبه ، وانتهت عمليا عندما نجح أعداؤها في القضاء على آخر صورة مترهلة متداعية لها ( الدولة العثمانية ) ، ومنذ ذلك اليوم توسعت الفتوق وتعمقت الشروخ بفضل نجاح مؤامرة فصل الرابط القومي عن الديني .
لو عدنا الى التاريخ القديم لأمة العرب ، لوجدنا أنها لم تستطع يوما مجاراة الأمم الأخرى المجاورة جغرافيا والمعاصرة لها تاريخيا ، فقد نجحت تلك الأمم : الفرس .. الإغريق .. الرومان .. الأحباش ، نجحت لحقب طويلة في لم شملها والإرتقاء في فرض ذاتها وثقافتها ، ومع أنها كانت تتصارع فيما بينها للبقاء أطول فترة ممكنة ، إلا أن السمة الأبرز لهذا الصراع كان تنازعا على السيطرة على المنطقة العربية ، كونها موطن الإنسان في العالم القديم ، و المركز الإستراتيجي الأهم .
لا مراء أن الحالة الوحيدة التي التم شمل العرب فيها كانت قيام الدولة الإسلامية ، وبامتزاج الدين والقومية تكوّن مُركّب جديد لم يعرفه العالم قبلا ، ومنه تشكلت الدولة الأعظم تأثيرا في تاريخ الإنسانية ، وشكل ذلك قوة جاذبة للأقوام والأمم الأخرى ، تصهر كل من تنجذب إليها ، فلا تعود من رغبة لديها للعودة الى عنصرها السابق .
من معرفتهم هذه الخاصية الطاغية ، عمل أعداؤها ومنافسوها على تفكيك هذا الرابط ، ونجحوا في ذلك جزئيا ، فقد استطاعوا فرض أتاتورك ونظام حكم معاد للإسلام ، وشق إيران عن الأمة بفرض نظام الشاه ، واستكملوا ذلك بتفسيخ الدين مذهبيا على يد نظام الملالي ، عربيا تم العمل بدأب على إذكاء نزعة اعتبار أن الدين رجعية وتخلف ، بالمقابل تشجيع تشكيل الحركات والأحزاب السياسية القومية المناوئة للإسلام ، أما على صعيد النظام السياسي فقد تم فرض أنظمة ملتزمة بمنع الدين من التأثير في المجتمع أو في القرار السياسي ، لوأد الطموح لاستعادة تلك اللُّحمة الفريدة في مهده .
لقد بينت الأحداث التي تلت موجة ثورات عام 2011 ، كيف فضّل المناوئون للدين بقاء الإستبداد ودمار الأوطان ، رغم ما نجم عنه من نهوض وحش الإرهاب من رماد الحرائق وبرك الدماء ..والذي فتك بالجميع ، تماما مثل اسطورة فرنكشتاين المرعبة ، تقبلوا كل ذلك خوفا من عودة ذلك الإلتحام القومي الإسلامي من جديد .
إن ذلك الذي حدث يثبت صعوبة المهمة الملقاة على عاتق أحرار الأمة والمؤمنين باستعادة حقها الإنساني في امتلاك كرامتها وحريتها واستقلالها ، لأن ما فشلت امبراطوريتا فارس والروم في مقاومته سالفا ، قد تنبهت له امبراطوريات الشر العالمية الممتلكة لزمام القوة الآن ، ولن تسمح به مهما كان الثمن ! .. فما العمل ؟.. وكيف نتمكن من الولوج الى المستقبل المحظور ؟
لن يمكن ذلك حتما بالحالة الحالية من التفتت ، لا بد من إنشاء تحالفات إقليمية للتعاون لبناء القاعدة الإقتصادية ، التي هي النواة للإستقلال الإقتصادي والمؤدي الى الإستقلال السياسي .
إن هذا العصر عصر التحالفات والتجمعات أما المتفرقون فسيبقون على هامش التأثير .. ها هي الدول الأوروبية أحست بالضياع فالتقت اقتصاديا في الإتحاد الأوروبي ، حتى تلك التي كانت في المعسكر الشرقي سارعت الى الإنضمام إليه .. حتى الدول الجنوب شرق آسيوية انتظمت في ( أسيان ) ، وهناك مجموعة الكاريبي ، ومجموعة الأنديز ، ودول غرب أفريقيا .
لماذا لا تنشأ مجموعة اقتصادية تضم الدول العربية إضافة الى إيران وتركيا ؟ ، ، تركيا هي الوحيدة التي سترحب لأن نظام الحكم فيها قوي عوده فتجاوز مرحلة الخوف من تهمة الإسلام ، أما إيران الإنتهازية بطبعها فسوف تجد أن مصلحتها فيه أكثر من بقائها خارجه ، الدول الخليجية ستشعر أن هذا التجمع يخرجها من كثير من الأزمات ، باقي الدول العربية ستلتحق بالموجة إن كانت طاغية .
ميزات هذه الكتلة أنها تحوي أهم عنصرين في منظمة أوبك ( السعودية وإيران ) لذلك سوف يحسب لها الآخرون ألف حساب ، إذا قدر لهذا المشروع أن ينجح ، سيكون طوق النجاة للخروج من مستنقع الحرب على الإرهاب ، ويتفرغ كل نظام لحل مشكلاته الداخلية .
قبل الإستغراق في أحلام اليقظة ،يجب أن نعلم أن العائق الأساسي هو عدم السماح بقيام أي إلتقاء بين الأقطار التي كانت تشكل الدولة الإسلامية المحظورة ، وسوف توعز أمريكا لأذنابها من العرب بخلق العقبات ، فيما ستكون إيران حذرة من فكرة عودة الإسلام فهي تخشى منه أكثر من الغرب ، لكن ربما كان المأزق الذي تعيشه كافة أقطار المنطقة دافعا للتفكير في المحظور .. ربما !
نستنتج في النهاية أن وحدة الأمة ستبقى البلسم الشافي لكل العلل ، لكن استحالة ذلك الان ، تدفعنا للقبول مرحليا بالتكتل والتجمع ولو تجاريا .. فهي أول خطوة في ولوج البوابة الى المستقبل .
– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى