حديث سواليف الرمضاني 5 : صِلَةُ الأَرْحَامِ قُرْبٌ مِنَ اْلرَحْمنِ ( 2 )

سواليف – خاص – د. منتصر بركات الزعبي

درجَ الناسُ على أنْ يصِلوا مَن وَصلَهم ،ويقطعوا مَن قطعَهم ،ليستْ هذهِ صلةُ الرحمِ، لأنَّ الذي يصلُ منْ وصلَه، ويقطعُ مَن قطعَه ،ليسَ لهُ فضلٌ على الطرفِ الآخرِ ،لذلك مِن الحقائقِ الثابتةِ أنّه ليسَ الواصلُ لأرحامِهِ ،الذي يُعامِلُ أرحامَه بالمثلِ ،فإنّ وصلوه وصلَهم ،وإنْ قطعوهُ قطعَهم، ولكنَّ الواصلَ :هو الذي إذا قطعتهُ رحِمَه وصلَها ،ألمْ يقلْ النبيّ – صلَى الله عليهِ وسلَّم – :(أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمةِ العدلِ في الغضبِ والرضى، والقصدِ في الفقرِ والغِنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأُعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكونَ صَمْتي فِكْرًا، ونُطْقِي ذِكْرًا، ونظري عِبرةً، وآمرُ بالعُرْفِ، وقيل: بالمعروفِ ( ألمْ يَقلْ الله عزّ وجلّ ؟ ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)﴾ سورة الرعد ويقولُ عليهِ الصلاة والسلامُ في الحديثِ الصحيحِ:( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا(أخرجه البخاري شكا رجلٌ إلى النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قطيعةَ قرابتِهِ لهُ ،على الرغمِ أنَّه يواصلُهم، ويُحسِنُ إليهم ،ويحلُم عليهم ،فأجابَه النبيّ – صلّى الله عليه وسلم، – عن مبلغِ عقوبتِهم عندِ اللهِ، على قطيعتِهم، وعلى إساءَتِهم له ،إنْ صدقَ فيما قالَ ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ) :يَا رَسُولَ اللَّهِ ،إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ،وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ،وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ،فَقَالَ :لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ،فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ – الرماد – وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) إذًا فأفضلُ الصدقةِ وأفضلُ أعمالِ البرِّ ،ما كانَ على الأرحامِ والأقربين ،قالَ رسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – (الصدقةُ علَى المُسلِمينَ صَدَقة وعلَى ذِي الرَحِمِ صَدَقة وصِلَة). فإنْ ابتُلِي أحدُنا بقريبٍ يُضمِرُ له العداوةَ ،ويُظهِرُ البغضاءَ ،معَ فقرِهِ وشدةِ حاجتِه ،فهو أولى بالصدقةِ ،فإنْ عصَى اللهَ فيكَ فأطعْ اللهَ فيهِ ،يُضاعِفْ لك الأجرَ والثوابَ ،ولعلّ صدقتّك له وإحسانّك إليه يكونُ سببًا في زوالِ عداوتِه ،ودوامِ محبَّتِه ،قالَ اللهُ تعالَى frown رمز تعبيري ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 ( فصلت وقالَ – صلَّى الله عليهِ وسلَّم – :(أفضلُ الصدقةِ على ذِي الرَحِمِ الكاشِحِ) أي الذي يُضمِرُ العداوةَ ،فإنْ ظلّتْ عداوتُه فالله يحفظك مِن مكرِه ،ويدفعُ عنك عداوتَه ويؤيدُك بنصرِهِ. فقطيعةُ الرّحِمِ معصيةٌ كبيرةٌ وإثمٌ شنيعٌ ،وإنَّ عقابَها عندَ اللهِ – عزّ وجلّ – عقابٌ مريعٌ ،وهو اللعنةُ وسوءُ الدارِ ،قالَ تعالى:﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئكَ الذِينَ لَعنَهُمْ اللهُ فأصَمَّهُمْ وأعْمَى أبْصَارَهُمْ﴾ وقال– صلى الله عليه وسلم – :)لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ(. وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة – رَضِي الله عَنهُ – أَنه جلس يحدث عَن رَسُول الله – صلى الله عَلَيْهِ وَسلم – فَقَالَ :أحرِّج على كلِ قَاطعِ رَحِمٍ إِلَّا قَامَ مِنْ عنِدنَا ،فَلمْ يقمْ أحدٌ ،إِلَّا شَابٌ مِنْ أقْصَى الْحلقَةِ ،فَذهبَ إِلَى عمتِه لِأَنَّهُ كَانَ قد صارمها مُنْذُ سِنِين ،فصالحها ،فَقَالَت لَهُ عمته :مَا جَاءَ بك يَا ابْن أخي ؟فَقَالَ :إِنِّي جَلَست إِلَى أبي هُرَيْرَة صَاحب رَسُول الله – صلى الله عَلَيْهِ وَسلم – فَقَالَ :أحرج كل قَاطع رحم إِلَّا قَامَ من عندنَا ،فَقَالَت لَهُ عمته :ارْجع إِلَى أبي هُرَيْرَة واسأله لِمَ ذَلِك ؟!فَرجع إِلَيْهِ وَأخْبرهُ بِمَا جرى لَهُ مَعَ عمته ،وَسَأَلَهُ :لِمَ لَا يجلس عنْدك قَاطع رحم ؟فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة :إِنِّي سَمِعت رَسُول الله – صلى الله عَلَيْهِ وَسلم – يَقُول :(إِن الرَّحْمَة لَا تنزلُ على قوْمٍ فِيهمْ قَاطِعُ رَحِمٍ) . وكانَ ابنْ مسعودٍ – رَضِي الله عنه – جالسًا في حلقةٍ بعدَ الصبح، فقال:”أُنْشِدُ الله كل قاطعَ رحمٍ لَمَا قام عنَّا ،فإنّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا ،وإنّ أبوابَ السماء مُرتَجَةٌ (مغلقة) دونَ قاطِع الرَّحم”. رأينا أقوامًا على مرأى ومسمعٍ مِن أرحامِهم ،يرزحون تحت وطأةِ المرضِ والفقرِ سنواتَ عدة ،يمدّون أيديَهم ،يتكففون الناسَ ،ومعَ ذلك يبخلونَ عليهم حتّى بالزيارةِ ،أو بدنانيرَ معدودةٍ ،معَ أنّهم يتقلبون في النعيمِ ظهرًا لبطنٍ ،وينفقون الآلاف المؤلفةِ على شهواتِهم وملذاتِهم ،فإذا جاءَ نبأُ وفاتِهم فإذا بهم يقفون أولَ طابورِ المعزِّين .هلْ هذا مِنَ الإسلامِ في شيء؟!!

أرشيف سواليف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى